الدار – تحليل
على بعد ساعات من مباراة نهائي كأس عصبة الأبطال الإفريقية يتواصل الحشد الإعلامي الرياضي في الشقيقة مصر متجاوزا الأعراف المهنية ليحول مباراة في كرة القدم إلى معركة مصيرية، بشكل يحرض المشاهدين ويوتر الأجواء ويشحن الجماهير، التي ينتظر الكثير منها الذرائع للخروج عن السياق الفني والروح الرياضية. وقد بدأت الحكاية قبل مباراة الإياب عندما اتفقت جل استوديوهات التحليل الرياضي في القنوات الفضائية المصرية وشبكات التواصل الاجتماعي على فرضية واحدة مفادها أن الوداد البيضاوي خصم سهل وأفضل خيار بديل للأهلي يمكن أن يكون أيسر من نادي صان داونز الجنوب إفريقي، فأعطت هذه القراءة للجماهير الأهلاوية انطباعا خاطئا عن قدرات الخصم البيضاوي.
وبعد نهاية المباراة وتسجيل الهدف الودادي الصّادم للجمهور والإعلام المصري، وتدبير الناخب البلجيكي للمباراة بذكاء كبير، بدأ الإعلام المصري غير المهني للأسف في ترويج أسطوانة التحكيم المتحيز، وبدأ بعض المحللين يبالغون في تأويل بعض اللقطات التي شهدتها المباراة على الرغم من إجماع جل خبراء التحكيم على أن الحالات المذكورة شهدت اتخاذ قرارات سليمة من طرف الحكم الليبي عبد الحكيم الشلماني أو من طرف غرفة الفار. وأخطر ما اخترق هذه القراءات الإعلامية والتحليلات الرياضية هو روح التعصب الواضحة التي شابت بعض الآراء والقراءات والحوارات، حيث وصل بعضها إلى درجة كيل السباب والشتم للحكم.
لكن هذا التحامل على الحكم الذي سرعان ما خفت بعد أن تبينت عدالة قراراته وقانونيتها، انتقل بعد ذلك إلى ترويج ادعاءات وخرافات وترهات عن السحر والشعوذة. ثم بدأت بعد ذلك تلك الرواية العدائية وغير الرياضية تماما باستهداف شخص رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع. ولم يتجرأ الكثير من الإعلاميين الأهلاويين المتعصبين على طرح سؤال بسيط على أنفسهم: هل كان نادي الوداد البيضاوي وحتى نادي الأهلي المصري قد ضمن لعب المباراة النهائية حتى يوجه الاتهام لفوزي لقجع بأنه كان وراء ترتيب مباراة الإياب في المغرب؟ لقد بلغ الأمر حد ترويج أكاذيب عن تعيين الحكم الإثيوبي باملاك تيسيما لإدارة مباراة الإياب في الدار البيضاء تكريما له لإنه مقبل على التقاعد، والحال أن الأمر يتعلق بخبر عارٍ تماماً عن الصحة ولا أصل له. بل إن النكتة الأكبر التي راجت بهذا الخصوص هي قصة مختلقة سابقة عن اعتداء فوزي لقجع قبل سنوات على هذا الحكم بالضرب.
إن المؤسف فيما حدث طوال أسبوعين من الحشد والتجييش للجماهير استعدادا لهذه المباراة أنه يتكرر للسنة الثانية على التوالي، وللمرة الثالثة التي يلتقي فيها الفريقان في المباراة النهائية لعصبة الأبطال الإفريقية. وعلى الرغم من ذلك لم يستفد الإعلام الرياضي المصري المدفوع بالبحث عن نسب المشاهدة العالية والتنافس على استقطاب الجماهير، من دروس الماضي، وسرعان ما عادت ريما لعادتها القديمة. والأكثر مدعاة للاستغراب والأسف أيضا هو أن هذه المواقف المتعصبة والمجانبة للصواب تصدر في كثير من الأحيان عن لاعبين مصريين سابقين يعرفون جيدا حقيقة رياضة كرة القدم ومعنى المنافسة في مستويات رفيعة كالمباريات النهائية للبطولات القارية.
ولن تنطلي أبدا علينا تلك الحيلة التي تدعي أن ما يصدر عن الإعلام المصري من تجاوزات وخروقات لا مهنية يدخل في إطار الحرب النفسية والضغوط التي تمارس على حكام المباراة المقبلة وعلى المسؤولين عن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم لاستباق أي خروقات أو تحيز يمكن أن يحدث في المباراة لصالح فريق الوداد البيضاوي. وحتى إن كان هذا التأويل صحيحا فإنه لا يعفي الإعلام الرياضي المصري أبدا من المسؤولية الكاملة عن كل التجاوزات المهنية التي حدثت وما تزال تحدث في الاستوديوهات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي فقط لأن رواده ومحللين وصحافييه يقدمون انتماءهم الكروي لفريق الأهلي على كل القواعد والمواثيق المنظمة للممارسات الإعلامية وفقا لمنطق الحياد والتوازن والمصداقية.