بصمات فضالية.. الحلقة 18 مع اللاعب الدولي حسن اعسيلة
الدار/ بوشعيب حمرواي
لكل مدينة وقرية رائدات ورواد، بصموا بمعادن نفيسة في سجلات تاريخها الحضاري. ساهم كل من زاويته وتخصصه في نهضتها وتطورها في كل المجالات..
مدينة الفضاليين.. ومشتل قبائل المجدبة وزناتة والشاوية… واحدة من تلك المدن التي تحتفظ بأرشيف ثقيل ووازن يستحق الذكر والتذكير والإشادة.. مدينة حظيت باسم ملكي (المحمدية)، نسبة إلى الملك الراحل محمد الخامس.. واستحقت في فترات من صيرورتها أن تلقب بمدينة الزهور والرياضات الأنيقة. بفضل نساءها ورجالها المبدعين، المكافحين.
نسعى من وراء سلسلة (بصمات فضالية)، أن نسلط الضوء على هؤلاء وأولئك الذين واظبوا على إشعاع نور الأمل والتحدي والمثابرة بالمدينة. شخصيات محلية تألقت في مجالات متعددة محليا ووطنيا ودوليا.
نجوم فضالية برزت في كل مناحي الحياة.. كانت القدوة والقائد و النموذج التنموي المفروض أن يحتذي به الأطفال والشباب… وسيكون لمآثر ومعالم ورموز المحمدية نصيب من هذه السلسلة.. حيث الحديث عن قصص مثابرة وتحدي وكفاح ونجاح وتميز وصمود … تشهد بها المدينة وسكانها وكل الوطن..
اعسيلة: القدم اليسرى التي أمتعت جيل السبعينات
بصم الفضالي حسان أمشراط المعروف بـ(حسن اعسيلة)، بقدم يسرى ذهبية في سجل تاريخ شباب المحمدية والمنتخب المغربي. يكفيه شرفا أنه كان من الرواد العشرين الذين أمتعوا فأقنعوا بالملاعب الإثيوبية، وصنعوا أمجاد المنتخب المغربي، الفائز بالكأس الإفريقية الوحيدة. ويكفيه وفاءه لناديه الفضالي شباب المحمدية، والذي جاوره لمدة 17 سنة، وكان أحد صانعي كل أمجاده.
اعسيلة، الذي تذوقت جماهير السبعينات من رحيق عسله الحر. وعاشت مع أمتع اللحظات داخل الملاعب الرياضية الوطنية مع فريقه الشباب، رفقة ترسانة من المايستروات، في مقدمتهم الأسطورة أحمد فرس. الذي شكل مع ثنائيا يصعب للتاريخ إعادة تشكيله.
القدم اليسرى الساحرة التي أرعبت عمالقة حراس المرمى بأفريقيا، وفي مقدمتهم الحارس الدولي التونسي ( عتوكة). أجهضت الخطط الدفاعية لكل منافسيه. ومكنت زميله في النادي أحمد فرس الأسطورة الإفريقية والمغربي الأول الفائز بالكرة الذهبية الإفريقية، من هز الشباك في أكثر من مناسبة. يشهد لاعسيلة (رقم 11) المداعب المفزع والمالك الوريث لموقع الظهير الأيسر، أنه بعتر أوراق العديد من المدربين، وشل من قدرات فرقهم على التفكير في الهجوم.
حقيقة لقب (اعسيلة)
كشف حسان أمشراط عن مصدر اللقب (اعسيلة) في تصريح لموقع الدار. حيث أوضح أنه كان يشارك ضمن فرق الأحياء بالمدينة. وأن أحد المدربين القدامى المسمى (الزوين). كان معجبا بتقنياته العالية. وأنه كان يشبهه بلاعب قديم بفريق الوداد البيضاوي، كان يسمى اعسيلة. مما جعله يلقبه بـ(اعسيلة). وهو اللقب الذي غطى على لقب أسرته (أمشراط). حيث بات معروفا بالمحمدية والمغرب وافريقيا بهذا اللقب. الذي اعتبره فأل خير على مسيرته الكروية.
سيرة ومسيرة لاعب من طينة خاصة
ولد حسن اعسيلة سنة 1947 بمدينة الزهور، من والدين ينحدران من مدينة أكادير.
بدأ مداعبة كرة القدم في طفولته بين أزقة وشوارع فضاءات حي نيكولا بالمحمدية. قبل أن يقتنصه قناص المواهب الراحل عبد القادر أيت أوبا. الذي جلبه لممارسة كرة القدم إلى داخل مدرسة نادي شباب المحمدية. حيث بدأت مسيرة الكروية سنة 1964. ترعرع ضمن الفئات الصغرى لشباب المحمدية، ولعب مع الكبار منذ سنة 1969، إلى غاية سنة 1984.
صانع أمجاد الشباب والحلم الإفريقي
حقق مع فريق مدينة الزهور الفوز بكأس المغرب العربي سنة 1971، و كأس العرش سنة 1975. كما فاز مع النادي بالبطولة الوطنية موسم 1979/1980. وتأهل النادي سنة 1072 لنهائي كأس العرش الذي لم تجرى مباراته النهائية بسبب الوضع السياسي حينها. وكذا فوز النادي بكأس الصحراء أمام مولودية وجدة.
ليتوج مساره الرياضي بالفوز بكأس إفريقيا للأمم سنة 1976 مع الفريق الوطني. حيث كانت الكأس الإفريقية تجرى حينها على شكل بطولة. أنهاها بتعادل ثمين مع غانا (1/1)، بفضل هدف اللاعب بابا من قذيفة على بعد أربعين متر حققت الهدف في الدقائق الأخيرة من اللقاء. ولعب للمنتخب الوطني في الفترة ما بين سنتي 2971 و1979.
فشل محاولات الانتقالات والاحتراف بالديار الإسبانية
لم يكن لحسن اعسيلة أي نية للابتعاد على نادي شباب المحمدية، منذ أن التحق به سنة 1967، ولم يكن يسعى للاحتراف بعيدا عن فضالة وملعب البشير. لكن سحره الكروي جعل مجموعة من الأندية الوطنية والدولية تطمح في الحصول على خدماته. وكانت النادي الإسباني ريال بيتيس الأقرب لجلبه إلى فريقه الأول. لولى تشبث المكتب المسير باللاعب اعسيلة. واندلاع عدة مشاكل. جعلته يتراجع عن التوقيع للنادي الاسباني، ويستمر في مغازلة الكرة الفضالية. كما كان على وشك الانتقال إلى النادي البيضاوي (الراك). قبل إجهاض العملية محليا. كما بلغت عملية انتقاله إلى حسنية أكادير مراحلها الأخيرة. ليتم إجهاضها بنفس الطريقة. وهم ما جعل اعسيلة يتسلم لواقع فرضه المكتب المسير لشباب المحمدية. ويستمر مع ناديه إلى غاية سنة 1984.
مجموعة الـ20 التي لم يتم إنصافها
تأسف اعسيلة إلى عدم إنصاف لاعبي المنتخب المغربي الفائز بالكأس الإفريقية سنة 1976. مشيرا إلى اللاعبين وعددهم عشرون مات اثنين منهما ويتعلق الأمر بالحارس الهزاز والمايسترو الظلمي.. وأن الباقين شاخوا ومرضوا، وبات مثقلين بمصاريف أسرهم. ومن الواجب الاهتمام بهم.
تبخر الوعد بإهدائهم سيارات
قال حسن اعسيلة إن الجامعة الوصية وعدت بإهداء منتخب 76 الفائز بالكأس الإفريقية. سيارات. وأن الوعد تلقوه وهم بالديار الإتيوبية. لكن الوعد تبخر بعد العودة إلى وطنهم. وأنهم لازالوا ينتظرون السيارات. كما أكد أن هدية الفوز بالكأس الإفريقية الوحيدة. كان هو مليون سنتيم لكل لاعب.
شارك اعسيلة في كأس افريقيا لموسم 1976 الى جانب كل من الحارس الراحل الهزاز واللاعبين فرس والزهراوي وكزار والتازي والشريف وبابا والمهدي …بقيادة المدرب الروماني ماردريسكو الذي توفي في ما بعد بالولايات المتحدة الأمريكية.
قال اعسيلة: كنا أكثر من الإخوة في معاملاتنا وتشبتنا ببعض، لم يكن حينها الهاجس المادي حاضرا. فالروح الوطنية والرغبة في رفع الراية المغربية عاليا كانت وحدها كفيلة بقبول التحدي أمام كل الفرق. وأضاف أن المنحة التي استفاد منها رفقة كل زملائه بلغت عشرة آلاف درهم للفرد فقط، وكانت هناك وعود بمنح كل مشارك سيارة لكنها تبخرت عند عودتنا إلى أرض الوطن
اعسيلة يقضي فترة راحة بعيدا عن شباب المحمدية
بعد أن جاور نادي شباب المحمدية كلاعب لمدة 17 سنة. وبعد أن كان ضمن إدارته التقنية لمدة ست سنوات. وجد اعسيلة نفسه اليوم بعيدا عن الملاعب. يتابع ناديه كفرد من الجمهور. خبرة وكفاءة وبعد نظر.. كان بالإمكان أن يكون ضمن مجلس استشاري واقتراحي للنادي العريق. مجلس يمكن تشكيله من ترسانة كبيرة من اللاعبين والمدربين والإداريين الذين جاوروا النادي في مراحل مختلفة. وبالإمكان أن يشكلوا الدعم والسند للمكتب المسير والإدارة التقنية.
وأن يبقي على انتعاشة وحيوية تلك الوجوه التي بصمت بكل ألوان الطيف من أجل نهضة النادي.
كما وجب على الجامعة الوصية أن تبادر إلى الاستفادة من صناع أمجاد كرة القدم المغربية. وأن تجعل منهم مجلسا استشاريا. ليكونوا القدوة والقائد..
تشريح لواقع كرة القدم
قال اعسيلة في تصريح سابق: ميدان كرة القدم لم يعد صافيا، فقد أصبح ميدانا عشوائيا فيه (التخلويض)، والإنسان الذي يكون جيدا و بكرامته يبقى دائما في الوراء، لدي رصيد أعتز به، وأكتفي الآن وأنا متقاعد. كسبت شعبية كبيرة أينما حللت وارتحلت.
وأضاف: مشكل الأندية المغربية هو في عدم اهتمامها بالفئات الصغرى، وعدم اعتمادها على ما لها من رصيد بشري (قدماء اللاعبين والأطر التقنية)، وأضاف أن الجمهور تلزمه فرجة، وإذا لم تتوفر فإنه لن يأتي، سابقا مباريات شباب المحمدية كان يحضرها 5000 أو 8000 متفرج، لكن حاليا أصبحت أرى جمهور شباب المحمدية، يتوجه إلى الدار البيضاء لمساندة فريقي الرجاء والوداد البيضاويين. والأمل في المستقبل بعد استفاقة النادي وأمل العودة إلى قسم الصفوة.