عيشة قنديشة.. كونتيسة الأساطير المغربية
الدار/ سعيد المرابط
في الوقت الحاضر، لا يزال تاريخ عيشة قنديشة، الأسطورة الشعبية مستمرًا، في المغرب وما وراءه، حيث يحكي الناس قصتها في ليالي الشتاء الطويلة.
كما تعتبر عيشة قنديشة أسطورة وحقيقة، مخيفة لجميع الأعمار، يتزاوج في سيرتها الواقع بالمتخيل، كما يحاول كبار السن، من خلال قصتها أحيانا عدم الإضرار بحساسية الصغار حتى لا تخيفهم.
وعلى مر التاريخ ظل لفظ الإسم الرهيب “عيشة قنديشة”، يتسبب في القشعريرة حتى إلى أشجع الناس وأصلبم قوة.
لكن من هي هذه المرأة التي تعيش في الأذهان على مقعد بين الملموس واللاملموس، بين النبل والخبث، بين الشياطين ولطف العلي القدير، أهي أسطورة، ساحرة، شبح، شيطان، أم هي لعنة؟..
وفقًا للدين الإسلامي، فمنذ إنشاء آدم وحواء، تجوب الشياطين الأرض، طولا وعرضا، ووفقًا للمؤرخين الإسبان، يرجع تاريخ عيشة قنديشة، إلى الوقت الذي وصل فيه المسلمون إلى شمال إفريقيا، تمامًا إلى منطقة طنجة في عام 712، حيث اقترح الكونت دون جوليان على القائد طارق بن زياد، غزو إسبانيا في وقت قصير، مع الاستفادة من الصراعات الداخلية للقوط مع المسيحيين.
وافق طارق على اقتراح دون جوليان بشرط واحد فقط، هو أن يترك ابنته، ضمانا، في أيدي العرب، وتم الاتفاق على هذا.
ونظرًا لأنه كان صيفًا حارًا جدًا، تم تثبيت “الكونتيسة” في منزل بالقرب من الشاطئ.
وبسبب الحرارة الخانقة، أخذت المرأة تسبح في مياه البحر المتوسط الصافية والبلورية، ما أثار هذا انتباه جميع سكان المكان (رجالًا ونساءً وأطفالًا)، الذين جاءوا لرؤية هذه الحقيقة غير العادية بالنسبة لهم: النظر إلى امرأة مسيحية تسبح على الشاطئ! .. جذبت تلك الشعرات الجميلة والطويلة المبللة بالماء انتباه السكان الأصليين لدرجة أنهم وضعوا على الفور لقب “عائشة ، الكونتيسة”، والتي تحولت بمرور الوقت، شعبيا، إلى “عيشة قنديشة”، والتي يقولون اليوم إنها شيطان، نصفها امرأة جميلة، ونصفها حيوان، أو هكذا تبدو للرجال، كما تقول الروايات التي يتفنن حاكيها في توبلتها من خياله.
ويقترب المؤرخ المغربي، المعطي منجب، في حديثه عن عيشة قنديشة، من الرواية الإسبانية في المسمى، مشيرا إلى ما يقال عن أنها كانت تأخذ الجنود الذين تغويهم إلى الغابة وتقتلتهم، وعن لقب قنديشة، يرى أنه تحوير للقب كونتيسة، الذي يعني السيدة أو امرأة تنتمي للبطقة المخملية.
ويؤكد منجب، في ذات السياق، أنه لا توجد مراجع تاريخية، تؤكد وجود أو عدم وجود شخصية “عيشة قنديشة”، غير أنه يرجح أن يكون هناك أصل تاريخي للأسطورة المرتبطة بتلك الشخصية.
ويشير المؤرخ المغربي منجب، إلى الرواية القائلة أن تلك الشخصية كانت مقاومة في جبال الأطلس ضد الاستعمار الفرنسي، موضحا أن هذه الشخصية أصبحت أسطورة وطنية، وأن كل جهة أو منطقة تخلطها بقصة محلية متداولة لديها عن إحدى الشخصيات الخرافية.
ومن جانبه، يشير المسرحي المغربي والمهتم بالتراث الشعبي، المسكيني الصغير، إلى عدد من البحوث التي أجريت في محاولة للوصول إلى أصل الروايات المتداولة بخصوص “عيشة قنديشة”، سواء من طرف مغاربة أو أجانب من بينها بحوث بول باسكون.
ويسرد المسكيني ما يقال عن تلك الشخصية، أنها كانت تقاوم الاستعمار البرتغالي، وتنتقم من جنوده؛ مشيرا إلى أن ما ترسخ في المخيال الشعبي عنها؛ هو أنها شخصية ترتدي الأبيض وتثير الرعب في النفوس.
من جهة أخرى، يرفض الأستاذ الباحث في الأنثروبولوجيا، مصطفى القادري، ربط كلمة “قنديشة” بالـ“كونتيسة” اللاتينية.
ويستغرب بشدة من التفسير الذي يعطيه البعض لكلمة “قنديشة”، باعتبار أن أصلها عبارة لاتينية، معتبرا أن الناس ليفسروا كلمة “قنديشة” يبحثون في كل اللغات إلا اللغة التي يجب فعلا أن يبحثوا فيها؛ في إشارة إلى الدارجة المغربية، مفسرا كلمة “قنديشة”، بـ“المخيفة”، أو “الغاضبة”.
عموما، حتى ولو كانت حكاية “عيشة قنديشة” متأرجحة بين تفسير وغيره، تبقى راسخة في العقل المغربي، كبيره وصغيره، ما بين حيل الأمهات لترويع أطفالهن، وما بين قصص المسامرات وتطويع وقت الليل، إلا أن “عيشة” ستبقى في الموروث الثقافي المغربي، متربعة على كرسي “الكونتيسة” المجاهدة و“القنديشة” المرعبة.