تحليل إخباري: “البيجيدي” في حملة رمضانية لاسترجاع ثقة القواعد
الدار/ رشيد عفيف
صمت رمضاني للتجمع الوطني للأحرار و"قربلة" داخل حزب الأصالة والمعاصرة واعتكاف لحزب الاستقلال ترك المجال مفتوحا أمام قيادات حزب العدالة والتنمية التي تخوض خلال العشر الأواخر من رمضان حملة تواصلية وانتخابية مكثفة يتناوب فيها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني وسلفه عبد الإله بنكيران. ففي ظرف أقل من أسبوع تعددت الخرجات الإعلامية والخطابية للرجلين بنفس هجومي منظم يبدو أن الهدف الأساسي منه هو استنهاض القواعد المتعاطفة مع الحزب ومحو بعض الانتكاسات التي خلفتها تجربة البلوكاج وتخلي القيادة عن رئيسها السابق ولتجاوز تداعيات بعض الفضائح والخلافات الشخصية بين بعض قياديي الحزب ونشطائه.
وبينما التقى سعد الدين العثماني في بداية الأسبوع الأطر والكفاءات الملتحقة حديثا بالحزب بجهة الرباط سلا القنيطرة، استقبل عبد الإله بنكيران يوم السبت أعضاء الحزب بإقليم سيدي بنور. وخلال اللقائين برز التوجه الذي اختار توقيتا خاصا لخوض النقاش مجددا حول مستقبل الحزب وقدراته وإمكاناته في مواجهة خصومه وكذا حظوظه في الانتخابات التشريعية المقبلة. وبينما استثمر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني خطاب المظلومية للحديث عن تاريخ المضايقات التي تعرض لها الحزب، منذ تأسيسه في تسعينيات القرن الماضي إلى اليوم، موجها رسالة إلى خصوم اليوم، وإلى أعضاء حزبه، مفادها عدم الإنصات لمن يحاربون حزبه باستعمال أدوات الإشاعة والكذب، فضل عبد الإله بنكيران توظيف خطاب أكثر جرأة وهجومية عندما خاطب ضيوفه قائلا “هذه الساعة لم يظهر لي حزب أقوى وأصلح منكم، الأحزاب التي تريد أن تأخذ مكانكم أعتقد أنها لازالت بعيدة جدا، بزاااف بزاااف، ولهذا، ولازالت أمامكم فرصة، وعملكم لا يجب أن يرتبط بالانتخابات، بل بالعمل الطويل، وأن تظلوا على عهد الله”.
هذا الخطاب المنسق كان يلمح مواقف الأطراف الحزبية الأخرى التي يعتبرها العدالة والتنمية منافسة محتملة سواء تعلق الأمر بتلك التي تتحالف معه ضمن الأغلبية الحكومية أو تلك التي تقبع في صفوف المعارضة. وقد أظهرت تجربة الولايتين الحكوميتين الأخيرتين أن حزب العدالة والتنمية بات يحصر معركته في مواجهة حزبين رئيسيين هما حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة. ويبدو توقيت هذه الخرجات اختيارا ذكيا بالنظر إلى الظروف التي يعيشها حزب الأصالة والمعاصرة الغارق في أزمة تنظيمية داخلية تكاد تعصف بأجهزته وقياداته، وكذا في سياق ركود رمضاني لحزب التجمع الوطني للأحرار ولقياداته التي يبدو أن تراشقاتها الكلامية مع قيادات العدالة والتنمية لم تعد تدخل ضمن استراتيجيتها التواصلية.
وينطبق على مشهد الخطاب السياسي الرمضاني الذي يهيمن عليه قياديو البيجيدي المثل العربي القديم "خلا لك الجو فبيضي واصفري". ويتضح هذا من الثقة الكبيرة التي يخاطب بها العثماني وبنكيران قواعدهما الحزبية التي تعتبر آخر رصيد يمتلكه الحزب بعد أن تأثرت شعبيته كثيرا بعد تجربة ولاية حكومية ونصف. ومن الواضح أن القيادة أضحت واعية أكثر من أي وقت مضى أن القواعد المتعاطفة والمنضبطة لقرارات وتوجيهات الأجهزة التقريرية للحزب ستمثل طوق النجاة الوحيد في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. ومن المعروف أن هذا المعطى قد ظهرت بعض معالمه في نتائج انتخابات 2016 التي حصل فيها الحزب على على مليون و571 الفا و659 صوتا، بنسبة 27,14 في المائة. ويرى مراقبون أن هذا الرقم يضم بين طياته عددا مهما من المنخرطين وأعضاء الحزب والمتعاطفين المنضبطين لتوجيهاته، بينما لم تمثل فيه نسبة عموم الناخبين إلا النزر اليسير.
ومن المؤكد أن اللقاءات التنظيمية الداخلية لقيادات الحزب تراهن على تدارك ما عاشه الحزب من تداعيات الصراعات الداخلية وبعض الحكايات الشخصية التي تورط فيها مناضلون بشكل يخالف عقيدة الحزب ومرجعيته السياسية. وكان من أهم هذه الحكايات التي خدشت صورة الحزب ما أثاره ظهور البرلمانية آمنة ماء العينين سافرة بدون حجاب في صور لها في باريس، وكذا ظهور وزير التشغيل في حكومة العدالة والتنمية مع خطيبته في العاصمة الفرنسية. وهذا ما يفسر تركيز عبد الإله بنكيران في لقائه بأعضاء الحزب بسيدي بنور على المرجعية الدينية للحزب عندما دعاهم إلى ما سماه "الثبات على الصلاح"، مضيفا “يجب أن تكونوا صالحين في أنفسكم وفي علاقاتكم وفي تصرفاتكم، لأنه الحزب الذي يعرف صراعا على المناصب والمواقع لا يمكن أن يقدم شيئا للشعب والمجتمع، ولن يأخذ مكانكم” في إشارة إلى حزب الأصالة والمعاصرة.