هل اختلطت الأوراق على فرنسا عقب الانقلاب العسكري في النيجر؟
الدار/ كلثوم إدبوفراض
بعدما أعلن المجلس العسكري في النيجر، انقلابه على حكومة بلاده، والتي يترأسها الرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم، تصاعدت التوترات تدريجياً منذ إعلان أحد أعضاء المجلس العسكري الجنرال تشياني عبد الرحمن عبر التلفزيون الرسمي بوصفه رئيساً للمجلس الوطني لحماية البلاد.
حيث في معرض حديثه في الخطاب، أن السبب في الانقلاب يرجع إلى عدم قدرة الحكومة المنتخبة في السيطرة أمنياً على الأوضاع التي تعيشها النيجر من تدهور على مختلف الأصعدة، مما جعلها تصبح ضمن أفقر الدول و أشدّها عوزا و تحولها لدولة فوضوية و غير مستقرة.
كما ذكر أن الرئيس المخلوع بازوم، تبنّى خطاباً سياسيا يتكتّم فيه عن الأوضاع الحقيقية و الواقعية للدولة عن الشعب، ويرسم لهم الصورة المزيفة على أن الأمور على ما يرام، وهو مالا يتوافق مع واقع النيجر المأساوي، كما طالب الجنرال الانقلابي الشركاء الخارجيين بمنحه الثقة ولقوات الدفاع و الامن.
من جهة أخرى، فالانقلاب العسكري الجاري في النيجر، لم يكن ضمن حسبان فرنسا، كما أنه يعدّ حدثاً خطيرا كما وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، متعهداً بأشدّ العقوبات في حالة دعمت المنظمات الإقليمية فرض عقوبات على قادة الانقلاب.
حيث فتح انقلاب النيجر أبواباً كانت مغلقة في وجه النقاش، وسرعان ما حدث الانقلاب حتى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي اسم مدينة “آرليت ” الصناعية، “جنة اليورانيوم في النيجر”، حيث كانت مرتع الشركات الفرنسية بالنيجر، المستحوذة عليها طوال السنوات الماضية، لتُحول المدينة إلى أسوأ مدينة على الإطلاق و جعل النيجر أفقر دول العالم.
وتعتبر “آرليت ” المتواجدة في شمالي النيجر، منبع أنفس المعادن الثمينة وهي اليورانيوم، و من المفترض أن تكون المنطقة التي يتواجد بها المنجم، أفضل المدن و أنقى المناطق وأغناها، لكن الواقع لايعكس ذلك.
حيث يطلق على مدينة “آرليت” بمدينة الفوضى و الفقر، نظرا للحالة التي يعيشها سكانها من تهميش و دونية و بؤس و غياب الطرق و البنيات التحتية، فضلا عن انعدام أدنى مقومات العيش الكريم.
بالرغم من وجود الشركات الفرنسية التي تدرّ المليارات سنوياً من هذه المناجم، فذلك لم يكلفهم عناء الاهتمام بشكل المنطقة و سكانها، حيث لم توفر هذه الشركات الخاصة في التنقيب أية خدمات أو فرص شغل لهم، كما أنها لم تبني مقراتها الرئيسية أو أية طريق يؤدي من و إلى المدينة.
بيد أن المنطقة تشهد اهتماما عالمياً بسبب توفرها على الثروات الهائلة لليورانيوم، وبلغة الأرقام وفق الرابطة النووية العالمية، فإن “آرليت” زودت دول التكتل الأوروبي بنحو 25 في المائة من إمدادات اليورانيوم، كما أنتجت عام 2021 نحو 5 بالمائة من التعدين العالمي، فضلا عن أنها كانت محط اهتمام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين قبل حرب العراق عام 2003.
حيث تدير الشركة الفرنسية “Orano ” مع قرينتها “Somair ” المملوكة للنيجر أنشطة استخراج واستكشاف اليورانيوم في البلاد.
على ذلك، فإن الانقلاب العسكري يشكل تهديدا حقيقيا لفرنسا، حيث يعتبر الرئيس المخلوع بازوم، حليفها الوحيد والأخير بأفريقيا، كما يعتبر حليفا قوياً لها في المعركة ضد الجهاديين وشريكاً اقتصادياً قويا، وقد قامت بينهما تعاونات عسكرية في شأن مناهضة الجهاديين، حيث كان لدى فرنسا في وقت ما حوالي 5400 جندي على منطقة الساحل الأفريقي.
في المقابل، تم الإعلان من قبل قادة الجيش العسكري عن إلغاء عدد من اتفاقيات التعاون العسكري مع فرنسا، وهو ما لا يوافق حسابات فرنسا وكان خارج توقعاتها، بعدما كانت تعتقد أنها ستبقى مسيطرة على اقتصاد النيجر طالما أن الأخيرة محاطة بعناصر الجيش الفرنسي.
يذكر أن الرئيس الفرنسي ماكرون، قام بجولة أفريقية في مارس الماضي من أجل سد الثغرات و الحفاظ على النفوذ المهدد، كاستراتيجية كانت تعتبر جديدة لبلاده، بهدف استمالة الأفارقة إلى بلاده من جديد ، بعدما بدأت مؤشرات النفوذ الفرنسي تتآكل، فتجلّت أبرز تلك المؤشرات في شهر غشت 2020، عندما طلبت حكومة مالي من فرنسا سحب قواتها بعد 9 سنوات، لتتبعها حكومة بوركينا فاسو مُطالبة فرنسا بسحب قواتها من البلاد ، وتدحرج الطلب لاحقاً إلى أبعد من ذلك، عندما نزل المتظاهرون إلى شوارع العاصمة “واغادوغو” مطالبين بطرد السفير الفرنسي ليتم استبداله.
والأمور ليست أفضل حالاً بالنسبة لكلٍ من تشاد والنيجر وأفريقيا الوسطى وقد بدأ النفوذ الفرنسي فيهما يتآكل شعبياً ورسمياً.
لتبقى النيجر معقلها الأخير والوحيد الذي سحب عنه المجلس العسكري السجادة عن قدميه، لتختلط الأوراق على فرنسا، بعدما خططت لتحقيق مصالحها ظنا منها أن القارة الأفريقية مجرد “حديقة خلفية” لها، دون أن تفكر بشأن التطورات الحاصلة في أفريقيا و دول العالم بشكل عام.
فبعدما كان الرحيل الفوري للقوات الفرنسية مؤجّلا، بات الآن محققاً، من خلال المؤشرات التي توضّح أن الدول الأفريقية أصبحت واعية بمصالحها واستخدام الرفض الرسمي و الشعبي الأفريقي، أمام كل كيان يحاول تطبيق لغة و أفكار الاستعمار على الدول الأفريقية.