فن وثقافة

حكايات يهود بني ملال.. حلقات يكتبها طلحة جبريل (الحلقة السابعة)

الرباط/ إعداد الصحافي والكاتب: طلحة جبريل

"الجيران" أصبحوا زواراً يقتنون زيت الزيتون و"الخرشوف".. ليتذكروا 

ثمة تفاوت في حي "القصبة"، الذي يمكن اعتباره بمثابة بني ملال العتيقة، في الحديث عن حكايات وقصص "جيران يهود " كانوا هناك في زمن مضى.

بعض من التقيناهم يتحدثون دون تحفظ، ومعظم حديثهم يدور حول "تعايش" كان ماثلاً. 
في حين يتحفظ آخرون، ربما لأن عبارة "جيران اليهودي" تحيل إلى حمولات سلبية، على الرغم من أنهم يتذكرون "الجوار" وليس في ثنايا حديثهم ما يؤشر على مواقف سلبية.

المعلمة الوحيدة التي تشير إلى أن يهوداً مغاربة كانوا هنا في زمن مضى قوس أسمنتي شيد عند مدخل زقاق ضيق في حي "القصبة"، وهو قوس له علاقة بالمعتقدات اليهودية.
داخل الزقاق،بضعة منازل كانت جميعها في ملكية يهود.

عندما كنت أتجول في تلك الأزقة وجدت سيدة أمام باب أحد المنازل منهمكة في تنظيف خضروات تمهيداً لتحضير وجبة.

سألتها عن سكان الحي من اليهود تمتمت ببعض الكلمات، وعندما طرحت عليها أسئلة عن "الجيران" الذين كانوا هنا، بدت متحفظة، لكنها أشارت إلى إن بعضهم يأتون بين الفينة والأخرى لزيارة منازلهم التي ولدوا وعاشوا فيها قبل هجرتهم.

قالت أيضاً أن بعضهم يحرص على زيارة "المقبرة اليهودية" حيث لديهم أقارب دفنوا هناك، في حين يزور آخرون ما يعتقد أنه "ضريح"لرجل دين يهودي  قرب شلالات "عين أسردون".

في حين يتجول بعضهم في أزقة "الغديرة الحمراء"، وهي  أزقة ضيقة ومتعرجة ، عاشت فيها عائلات يهودية عديدة. في تلك الأزقة توجد حوانيت خضروات ولحوم وتوابل ومواد غذائية.

يقول بائع زيت زيتون إن كثيرين من اليهود الذي يزورون بني ملال يشترون قناني من  زيت الزيتون وبعض الخضروات مثل" الخرشوف". ربما ليتذكروا.

أعداد اليهود الذين يزورن مدينتهم ليس كبيراً، إذ يأتون في مجموعات صغيرة تتراوح ما بين خمسة إلى عشرة أفراد مرده ذلك إلى أن عدد يهود بني ملال لم يكن في الأصل كبيراً، خاصة أن شبانهم كان يتأخرون نسبياً في الزواج . لذلك لم تكن وتيرة التزايد السكاني وسط اليهود مرتفعة، وفي هذا السياق كان "شارل دو فوكو" وهو راهب قسيس كاثوليكي فرنسي تجول في المغرب على أساس أنه "راهب يهودي"،  زار بني ملال  عام 1887 وأنجز وصفاً دقيقاً للمدينة ، حيث يقول " كان سكان  المدينة آنذاك في حدود  ثلاثة آلاف من السكان من بينهم 300 يهودي تقريبا، وظلت هذه النسبة مستقرة إلى حين تكثفت هجرة اليهود ابتداء من الخمسينيات والستينيات بحيث بلغ عددهم في حدود ثلاثة آلاف يهودي".

ليس صحيحاً أن اليهود كانوا يحفرون كهوفاً تحت منازلهم، إذ يقول الثقاة من أهل "القصبة" أن جميع السكان اعتادوا تشييد الكهوف، بحيث يحتمون بداخلها عندما كانت تقع غارات على بني ملال. كان السكان ينزلون إلى الكهوف مع حيواناتهم حتى تنتهي تلك الغارات.

عانت بني ملال كثيراً من صراع السلطة الذي كان في القرن التاسع عشر بين فاس ومراكش. 

كانت المدينتان من أهم الحواضر في المغرب في عهد  المرابطين والموحدين والمرينيين والسعديين والعلويين. وبسبب صراعات الحكم كان المخزن" (الحكم) في مراكش يطلب من بني ملال  الموالاة ، والأمر نفسه يطلبه"مخزن" فاس.

كانت منطقة تادلة التي توجد ضمنها بني ملال تحاول أن تنأى بنفسها عن هذا الصراع بين مراكش وفاس، وتعتبر نفسها غير معنية بصراعات "دار المخزن" وكانت لا تدين بالولاء لأحد لذلك تنال عقاب المدينتين، وهذا ما يفسر الطبيعة العمرانية العسكرية التي كانت عليها بني ملال  وهي  عبارة عن كهوف تحت الأرض.

تقول إحصائيات شارل دوفوكو  إن سكان المدينة من المسلمين كانوا يملكون 60 ألف رأس من الأبقار و120 الف رأس من الأغنام و30 ألف رأس من الجمال أما الدواجن فكانت لا تحصى، لكن اليهود لم يكونوا يميلون إلى تربية المواشي، خاصة أن معظمهم من الحرفيين، إلى حد أنهم إحتكروا بعض المهن مثل صناعة الحلي الذهبية والفضية والحياكة وصنع الأثاث.

يقول دوفوكو "كانت في المدينة ثروة مائية هائلة (فرشة مائية) مما يدل على  أنها كانت منطقة غنية جداً، وكانت بها منازل كبيرة وفخمة  من بينها بعض الدور الفخمة التي كان يمتلكها يهود".

كانت المدينة موزعة بشكل يعكس رؤية عمرانية خاصة، حيث كان كل حي يهتم بمهنة معينة.

كانت هناك "فنادق" بالمعنى الدارج أي أمكنة لمبيت زوار المدينة ودوابهم. 

كان كل من يزور بني ملال من المناطق المجاورة يستعمل الدواب، لكنه لا يستطيع أن يدخل بدابته إلى وسط "القصيبة"، لذلك يدخل مباشرة من أحد الأبواب الخمسة التي توجد في السور المحيط بالمدينة، ومن الباب إلى "الفندق".

يقول المؤرخ حاييم الزعفراني "أنعكس قانون للمساواة بعد استقلال المغرب، إيجابياً على يهود بني ملال، حيث كان الملك محمد الخامس قد أصدر قانوناً يساوي بين المسلمين واليهود، كما سبق أن رفض عام 1940 تطبيق قانون "فيشي" المعادي  لليهود.
أرضت هذه الوضعية رغبات اليهود المغاربة  بيد أن ذلك القانون الذي يكرس المساواة لم يكن كله قابل  للتنفيذ، على الأقل في بعض المجالات. كما أن الحروب العربية الإسرائيلية خلقت مناخاً للعداء بين المسلمين واليهود، لذلك يلاحظ أن مجموعات كبيرة من يهود بني ملال هاجروا في الفترة ما بين عام 1965 و1967، عندما بلغ الصراع العربي الإسرائيلي أشده.

يستطرد  الزعفراني " تعاطف اليهودي المغربي مع إسرائيل باعتباره مواطنا لها بالقوة، وخلق ذلك أجواء من التشكك والريبة، وهذا أمر لم يساعد على إنشاء علاقات عادية بين المسلمين واليهود في المغرب". ويضيف "عندما بدأ المغرب ينهج، شيئا فشيئا سياسة اقتصادية على غرار اقتصاديات البلدان السائرة في طريق النمو، كان هذا النظام الاقتصادي لا ينسجم مع عقلية  اليهودي، لان عليه بمقتضى هذا النظام أن يتخلى شيئاً فشيئاً عن دوره التقليدي المتمثل في الوساطة التجارية، مما دفعه إلى التفكير في الهجرة  لاسيما وأن أخطار تأرجح السياسات الدولية والخوف من احتمال تغير في موقف النظام نحوه، لم تساعده على التجذر والاستقرار وهما شيئان يطمح إليهما بكل قواه.

لذلك امتدت حركة الهجرة التي مست الشرائح الفقيرة من السكان، أثناء السنوات الأولى من الاستقلال، سرت تدريجياً وعن طريق العدوى، وسط الطبقات الميسورة نسبيا وانتهت في آخر المطاف بهجرة العائلات الأكثر غنى".

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − ثمانية =

زر الذهاب إلى الأعلى