حكايات يهود بني ملال.. حلقات يكتبها طلحة جبريل (الحلقة الثامنة)
الرباط/ إعداد الصحافي والكاتب: طلحة جبريل
إمرأة إسمها“رحمة”والفتاتين الجميلتين.. وزواج “عيد الغفلة”
من أبرز المظاهر الملفتة التي تجعل من "يهود بني ملال" حالة إستثنائية، مسألة مصاهرات حدثت بين المسلمين واليهود ، وعلى الرغم من أنها كانت مصاهرات في إتجاه واحد ، أي بين فتيات يهوديات وبعض الشبان المسلمين، فإن هذه الظاهرة كانت وقفاً على بني ملال دون باقي المدن المغربية الأخرى التي عاشت فيها مجموعات يهودية تشكل جزءً أصيلاً من المجتمع المغربي، و كانت تلك المجموعات تعيش في جوار وأمان مع المغاربة المسلمين، لكن الأمور لم تصل حد الزواج.
ثم أن الأمر أضحى في عداد المستحيلات لسببين، الأول أن اليهود المغاربة أصبحوا أقلية صغيرة جداً يعيشون في مجتمع شبه مغلق في مدينة الدارالبيضاء، وبالتالي فإن الزيجات في ما بينهم أضحت محدودة جداً ، بالأحرى أن تكون مع مغاربة مسلمين.
أما السبب الثاني فمرده إلى تنامي تيار الأصولية المتشدد وسط المسلمين حيث جعل مثل هذا التزاوج صعباً إن لم يكن مستحيلاً. وعلى الجانب اليهودي فإن منسوب الحذر والتباعد بسبب النزاع العربي الإسرائيلي ظل في ارتفاع مستمر.
يقول محمد الحجام، ذاكرة بني ملال " في المنظومة اليهودية دينياً وإجتماعياً يمنع الزواج بين اليهود والمسلمين ، في حين أن هناك تحفظات وسط المسلمين تحول بينهم وبين الزواج من يهوديات".
لكن الحجام يقول "على مستوى العلاقات العاطفية والاجتماعية كان هناك نوع من التسامح الواضح ، تجسده عدة حالات في بني ملال ، على الرغم من أن الأمر عندمايكاد يقترب من حالة يمكن أن تتطور فيها العلاقة نحو الزواج فإن الأمور لا تمضي قدماً".
ويضيف الحجام قائلاً " أعرف حالات عديدة ربطت فيها يهوديات علاقات غرامية مع شبان مسلمين ، لكن في أغلب الأحيان عندما تتصل إلى حدود الزواج ترفض الفكرة خاصة من طرف أسرة الفتاة اليهودية.
وفي هذا الصدد أتذكر أن هناك أسر يهودية وصلت علاقة بعض بناتهن إلى حدود التعبير عن رغبتهن بالزواج من مسلمين، بل هناك من تزوجن بالفعل بشبان مسلمين، كانت الأسرة اليهودية تقيم في هذه الحالة مراسيم مأتم حقيقي على إعتبار أن إبنتهن التي تزوجت من مسلم تعتبر في عداد الموتى، وهو ما يعني قطيعة تامة بين الفتاة وأسرتها، خاصة أنه في كثير من الأحيان تعتنق الفتاة اليهودية الإسلام، ويطلق عليها في اللغة المتداولة "السلامية" والجمع "سلاميات" ، وهي ما يعني أنها تتحدر من أسرة يهودية، لكنها تعيش حياة طبيعية في الوسط الذي ينتمي إليه زوجها".
عندما كانت "مباركة" تتحدث عن الحزن الذي لف" حي المقاومة" بسبب هجرة الأسر اليهودية في الستينيات من القرن الماضي ، كان لافتاً أن تقول " كانوا يبكون بحرارة وهم يودعوننا خاصة الشبان والشابات، وحتى نحن كنا نبكي بحرقة لرحيلهم لأننا كنا عائلة واحدة ونتعامل جيداً وبيننا جميعاً علاقات قوية . كنا نبكي كأننا فقدنا أفرادا من عائلتنا، شعرنا بحزن لم نشعر بها من قبل أو من بعد ".
إن قراءة ما بين السطور لهذا الإنطباعات يشير إلى أن العلاقات لم تكن تقتصر على أواصر تقليدية بين جيران ، بل تعدت ذلك إلى علاقات ذات طابع عاطفي.
كانت هناك كثير من الشبان المسلمين، تربطهم علاقات مع شابات يهوديات، خاصة أولئك الذين عاشوا حياة اجتماعية متداخلة، خارج إطار "مؤسسة الزواج"، وفي هذا الصدد تروى الكثير من الحكايات والقصص، وهي في معظمها حكايات كانت أزقة وشوارع "القصبة" وحي "غدير الحمراء " مسرحاً لها.
لكن معظم تلك الحكايات بقيت طي الكتمان، إذ أن مثل هذه العلاقات تظل في حدود ضيقة جداً ، وذلك بسبب التقاليد الإجتماعية المرعية.
بيد أنه في بعض الحالات كانت هناك تفاصيل تخرج إلى العلن ، وفي هذا السياق يقول الحجام " عاشت في بني ملال سيدة يهودية ملالية تدعى "رحمة “.لها بنتان جميلتان جداً بحيث كانت كل المدينة تتحدث عن جمالهن. كانت "رحمة تنظم سهرات مخملية وتقدم الكثير لضيوفها في تلك السهرات، حيث كانوا على سبيل المثال يحتسون مشروباً يهودياً فاخراً يعرف بإسم "كاشير" الراقي، كما كانت تقدم لهم وجبات دسمة ولذيذة الأسماك ، إذ أن اليهود هم الذين علموا المسلمين إعداد وجبات متنوعة من الأسماك، ذلك أنهم اعتادوا أكل اللحوم المشوية والدجاج ولم تكن لديهم معرفة كبيرة بطبخ السمك. كان ضيوف "رحمة اليهودية"، وهو الإسم الشائع في بني ملال،من شخصيات المدينة الوازنة، وهو ما كان يشكل حماية لها في مدينة محافظة.
بعد سنوات أدركت "رحمة" بدورها موجة الهجرة اليهودية ، لذلك هاجرت مع ابنتيها إلى كندا، ومنذ أن هاجرت لم تعد قط إلى بني ملال.
كان اليهود يميلون كثيراً إلى حفلات الفرح والبهجة، لذلك يحرصون بكيفية لافتة على إقامة حفلات في أعيادهم الدينية، ويقول عدد من سكان القصبة إنهم كانوا يشاركونهم الفرح خلال تلك الأعياد.
من أعياد اليهود التي تبقى مثار استغراب، ذلك الذي يطلق عليه "عيد الغفلة". كانوا يقيمون حفلاً كبيراً يعدون فيه أنواعاً متعددة من المأكولات، ويحتسون كميات غير معتادة من المشروبات الكحولية، ثم يرقصون ويغنون ويحتفلون ويقيمون طقوس دينية عديدة، ويستمر الحفل حتى ساعة متأخرة من الليل.
من أغرب الطقوس في "عيد الغفلة" الذي يطلق عليه أيضاً "عيد الغلطة الكبيرة" إنه في ختام السهرة الصاخبة تطفأ الأنوار في مكان الحفل، وكل من وجد بجانبه فتاة أو إمرأة يمكنه مضاجعتها تلك الليلة.
يقول الحجام “ما يحدث في عيد الغفلة له تفسيران، ربما أن بعض اليهود ونظراً لطبيعة العلاقات بينهم يتعمدون إختيار مكان قريب من الفتاة أو المرأة التي يرغبون في مضاجعتها، وتكون مضطرة لذلك، وربما يجد الرجل فرصة لتعزيز علاقاته معها، لأن تلك المضاجعة يمكن أن تقود إلى إرتباط دائم. والتفسير الثاني هو أن هذا العيد يمكن أن يكون فرصة بالنسبة للجانبين للمضاجعة في إطار "زنا المحارم" على الرغم من أن اليهودي يمكن أن يتزوج ابنة أخته، ويعتبر اليهود هذا النوع من الزواج هو الأفضل. كما هو الشأن بالنسبة لنا نحن المسلمين، خاصة في المجتمعات التقليدية، نعتبر أن أفضل زيجة هي إبنة العم".