حكايات يهود بني ملال.. حلقات يكتبها طلحة جبريل (الحلقة الأخيرة)
الرباط/ إعداد الصحافي والكاتب: طلحة جبريل
بقوا ثلاثة فقط.. إمرأة وشقيقها والمقبرة
هناك الكثير من الأمور التي كانت لها علاقة باليهود عامة ويهود بني ملال خاصة، تتداخل فيها الجوانب الدينية مع الخرافات، بحيث يصعب معرفة أين تنتهي المعتقدات الدينية وأين تبدأ الخرافات.
هذه الظاهرة عادة ما تكون في المجتمعات التي تقل فيها نسبة التعليم، وبالنسبة إلى يهود بني ملال لم تكن هناك مدرسة يهودية ، لذلك ذهبت قلة من أبناء الطائفة اليهودية لبعض المدارس الخاصة في بني ملال ثم انتقلوا بعد ذلك إلى الدارالبيضاء. حتى هناك توجد مدرستان فقط لليهود، وأقدم مدرسة يهودية وما تزال مستمرة هي "المدرسة العبرية العادية" وهي مدرسة يهودية للتعليم الثانوي تأسست بمدينة الدار البيضاء عام 1945.
سنجد جذور "عيد الغفلة" والذي يسمى كذلك " الغلطة الكبيرة" في التراث اليهودي حيث يرتبط بأحد "المحن التاريخية" كما يزعمون ذلك.
الثابت أن اليهود عادة ما يحتفلون في أعيادهم بالنكبات وليس بالانتصارات، لذلك ارتبط "عيد الغفلة" بذكرى الحروب ضد الصليبيين أو المسلمين. ويزعم اليهود أن معظم الرجال قد قتلوا في تلك الحروب.
يقول محمد الحجام "هذه الرواية مهما كان ارتباطها بالخرافة فإنها لها علاقة بوقائع تاريخية حقيقية، وتروى في هذا الصدد خرافة تقول أن النساء اليهوديات بعد تلك الحروب كنا يذهبن إلى حيث توجد قبور الجنود اليهود، وتنام المرأة إلى جانب القبر ثم تظهر عليها أعزاض الحمل بعد تلك الليلة".
ويستطرد الحجام "هذا ما تقوله الرواية الخرافية، لكن الأقرب إلى الواقع إنه عندما يكون هناك قلة من الرجال في المجتمع اليهودي، لا يكترث أحد لما يعرف بزنا المحارم، ويسمح للرجال بمضاجعة جميع النساء لضمان استمرار تكاثر المجتمع اليهودي".
المؤكد أنه لايمكن لإمرأة يهودية أو غير يهودية أن تحمل لأنها أمضت ليلة إلى جانب قبر. هي إذن محض خرافة والأقرب إلى الحقيقة أن تكون المرأة قد حملت بالفعل خارج مؤسسة الزواج أو نتيجة لعلاقة تدخل في إطار "زنا المحارم" ، ولتبرير هذا الحملة اخترعت خرافة "ليلة إلى جانب قبر جندي يهودي".
هناك الكثير من الأعياد اليهودية لكن العيد الثاني الذي كان يحتفي به يهود بني ملال، هو " عيد الرقاق".
خلال هذه العيد لا تشعل الأسر اليهودية نار المطابخ لمدة ثلاثة أيام ، وأثناء ذلك لا يطبخون أي أكلات، حيث يستعدون لهذا العيد بإعداد وجبات قبل أن يحين موعد "عيد الرقاق".
في أيام العيد يوزعون "الرقاق" على بعضهم بعضاً وكذلك على جيرانهم من المسلمين.
والرقاق عبارة عن رغيف يابس من القمح وهو مثقب وبدون ملح ، ويتناولها اليهود مع أكلات طبخت قبل العيد أو لوحده.
كان "الرقاق" يطبخ في المنازل قبل موعد العيد، لكن أصبح يطبخ بعد ذلك في معامل خاصة ويوزع على اليهود في جميع أنحاء المغرب، وذلك قبل أن ينتقل ما بقى منهم إلى الدارالبيضاء، و"رقاق " المعامل يطبخ بالطريقة نفسها التي يطبخ بها " الرقاق" التقليدي، أي طحين القمح والماء وبدون ملح، ويكون يابساً وكل رغيف بها عدة ثقوب.
تقول الحكاية اليهودية عن هذا العيد، أي "عيد الرقاق" أنه يؤرخ لنكبة في التاريخ اليهودي، على حد زعمهم.
وفي تفاصيل الحكاية، أنه أثناء حروب صلاح الدين الأيوبي ضيد النصارى واليهود، وجد اليهود أنفسهم في براري ومناطق خالية ونائية وليس معهم إلا الدقيق لذا كان يعجن بالماء ويضعونه فوق الصخور وعندما يجف بسبب حرارة الشمس ويتحول إلى رغيف يابس يأكلونه، لذلك لابد أن يكون "الرقاق" يابساً ويطهى بدون ملح ، ولا يأكل معه أي شئ آخر.
المفارقة أن هذه المناسبة التي يفترض أن تكون مناسبة حزينة، تتحول عند اليهود إلى مناسبة فرح وبهجة، بل وعيد، لذلك القول إن أعياد اليهود هي في واقع الأمر احتفاء بالنكبات وليس بالانتصارات، هي الحقيقة.
لم يكن جيران يهود بني ملال من المسلمين، يعرفون حكاية "عيد الرقاق" بل كان معظمهم يعتقد أنه عيد مماثل لعيد الفطر المبارك حيث يقدم الكعك والحلويات للزوار.
لم يكتب بعد تفصيلاً عن التاريخ الاجتماعي لهذه الطائفة الصغيرة التي عاشت في وئام تام مع الجيران المسلمين.
كانت بعض الكتابات المتسرعة ذكرت أن يهود بني ملال رغبوا في ربط علاقات مع "الأوربيين" وخاصة مع الفرنسيين، حتى قبل أن تبدأ موجات الهجرة في الخمسينيات والستينيات.
وفي هذا الصدد يقول حاييم الزعفراني "صدرت أحكام متسرعة دون روية فيما يتعلق باتصال اليهودي المغربي بالمجتمع الأوروبي ونمط عيشه واقتصاده وثقافته، فادعت ان هذا الاتصال كان نتيجة طموحه من أجل العيش على "النمط الأوروبي" وتبني مظاهره الخارجية تلك التي تميز "المعمرين”.
أنه التغريب السطحي والمبتسر والانفصام عن الماضي، والتمزق وضياع الهوية. كما ادعت أن الطائفة اليهودية في المغرب لم تكن في وضع مريح تماما نظرا لما كانت عليه نتيجة تيارات مختلفة واتجاهات متعارضة تتوزع بين أنواع من الوفاء يستحيل التوفيق بينها. وكل هذا في حقيقة الأمر، لم يكن يمس إلا شريحة محدودة في المجتمع اليهودي المغربي، تلك التي تخص بعض عائلات كانت تتمتع دائما بالامتيازات في المدن الكبرى والتي استطاع أبناؤها أن ينالوا حظا وافرا من التعليم، لما كانت تتوفر عليه من وضع ملائم في المجال الاقتصادي والمهن الحرة. اما الجمهور العريض فانه لم يتعرض الا قليلا للمشاكل الناتجة عن التغريب والتعلم تلك التي اقلقت نخبة الاقلية المثقفة والغنية.ولقد ظل هذا الجمهور العريض في معظمه، غريباً عن إغراءات الغرب، متجاهلا الجدل الذي كان يملأ اعمدة الصحافة اليهودية".
تبقى حقيقة تأكدت منها تماماً من خلال روايات متطابقة استقيتها من مصادر عديدة في بني ملال خاصة من حي "القصبة"، مفادها أن يهود هذه المدينة لم يكن يرغبون قط في الهجرة، ولم يتسابقوا للتسجيل في مكاتب“الوكالة اليهودية” ضمن قوائم المغادرين، كما يعتقد وكما يزعمون، بل كانوا ينتظرون في منازلهم بأزقة المدينة القديمة، إلى أن تطرق أبوابهم "الوكالة اليهودية" وتنقلهم جماعة الى ما وراء الحدود بعد توقف قصير بالدار البيضاء أو مراكش. لم تكن تستغرق العملية أكثر من ليلة أو ليلتين في بعض الحالات المعينة.
***
الآن تحولت جميع المظاهر والعادات والتقاليد التي نشرها يهود بني ملال إلى مجرد ذكريات، وانحصرت " يهودية المدينة" في ثلاثة عناصر:
*أليس
*شقيقها موريس
*.. والمقبرة اليهودية.