الدار/ افتتاحية
بعد أسابيع قليلة فقط من كارثة زلزال الحوز الذي ضرب بلادنا وخلّف وراءه دمارا ماديا وآلاما بشرية موجعة تأتي بشائر النهضة والانبعاث من قلب هذه المحنة بعد أن قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم قبول ملف ترشح المغرب وإسبانيا والبرتغال لتنظيم كأس العالم 2030. من وسط الأزمة تظهر الفرصة ومن عين النقمة تخرج النعمة لتؤكد مرة أخرى جدارة هذا البلاد بالثقة والمصداقية التي يتمتع بها في المنتظم الدولي. ومن سخرية القدر أن يأتي هذا الإعلان مباشرة بعد إعلان استضافة المغرب كأس إفريقيا للأمم برسم 2025 وانشغال البعض بنقاشات فارغة ومنافسة وهمية من طرف ملفات بعض البلدان المجاورة. البلد الذي يرشّح نفسه، مثل المغرب لاحتضان كأس العالم، يحمل طموحات أكبر بكثير من تلك التي تعتبرها دول أخرى حلما حقيقيا.
مع هذا الإعلان تتأكد مرة أهمية وجهة المغرب كقطب سياحي ورياضي واعد ومبشّر بآفاق كبيرة من النمو والتطور والنماء. الإنجاز الذي حقّقه المنتخب المغربي في كأس العالم قطر 2022 كان له دور كبير أيضا في بناء هذه السمعة الدولية المميزة، التي أظهرت للعالم أن المغرب بلد كروي بامتياز، يجرّ وراءه تاريخا وثقافة وقيماً راسخة في مجال الارتباط بكرة القدم وتطويرها ونشرها على صعيد الفئات كافة. وقد تعرّف العالم في الآونة الأخيرة إلى هذه الإنجازات من خلال منتخبات أخرى كالمنتخب النسوي ومنتخب كرة الصالات وغيرهما. الجهود التي بُذلت لتأهيل البنيات التحتية الرياضية في بلادنا جبارة ولا يمكن تجاهلها.
هذا يعني أننا مقبلون في السنوات القليلة المقبلة الفاصلة عن هذا الحدث الكروي على دينامية تنموية واقتصادية وعمرانية استثنائية. فالمغرب لم يقدّم ملف الترشيح لاستضافة المونديال إلى جانب إسبانيا والبرتغال من أجل التباهي أو التفاخر أمام دول العالم، بل لأنه قادر على توظيف هذا الحدث الرياضي مرة أخرى كمحرك للتنمية وتعزيز البنيات التحتية والسمعة المتميزة للمغرب في مختلف أنحاء العالم. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التنظيم المحتمل لكأس العالم بالمغرب سيساعد كثيرا على تطوير المقاولات الوطنية وإظهار قدراتها الهائلة وكفاءتها التي أثبتتها في الكثير من دول العالم وخاصة في القارة الإفريقية.
والأهم من هذا وذاك أن إدراج المغرب ضمن قائمة البلدان المؤهلة لاحتضان هذا الحدث الرياضي العالمي يعني أن بلادنا أضحت مؤهلة للعب مع الكبار. المغرب اليوم بفضل قدراته وسمعته وموقعه الجغرافي المتميز وثروته البشرية الهائلة واستقراره السياسي الاستثنائي في المنطقة ونموذجه التنموي المتجدد مؤهل للانخراط في أيّ حدث عالمي أو الانضمام إلى أيّ منظمة دولية أو المشاركة في أيّ مبادرة كونية لأنه راكم ما يكفي من الخبرات التي تمكّنه من إثبات الذات والوفاء بالالتزامات زيادة على امتداداته العالمية الواسعة بفضل علاقاته مع جلّ دول العالم والاتفاقيات الثنائية التي تجمعه بأغلبها. ليس من السهل أبدا إقناع هيئة من حجم فيفا باستحقاق تنظيم تظاهرة كروية كهذه إذا لم يكن للبلد حضور دولي وازن ومحترم.
ومن الآن ستثبت بلادنا جدارتها بهذه الثقة العالمية واستحقاقها للانضمام لملف الترشيح المشترك مع إسبانيا والبرتغال. والأكثر أهمية في هذا الترشيح هو تجسيده لتجربة فريدة من نوعها في تاريخ كأس العالم حيث سيتزامن مع الذكرى المئوية لهذه البطولة ويجسّد تجربة التنظيم المشترك الذي لا يقتصر فقط على تجهيز الملاعب والفنادق ومراكز التدريب، وإنما على إظهار روح التعاون والتآزر وحس التعايش الثقافي. هذه القيم لا يمكن أن تظهر بجلاء أكثر إلا في منطقتنا الجغرافية التي تلتقي فيها ثلاثة بلدان من قارتين: إسبانيا والبرتغال والمغرب. على ضفاف البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي سيدرك العالم في كأس العالم 2023 المعاني الخالدة لثقافة كرة القدم وقدراتها الهائلة على توحيد العالم وتذويب خلافاته وصراعاته السياسية فوق جسر يربط بين إفريقيا وأوربا.