ماذا بعد تعيين سيجورنيه وزيرا للخارجية في الحكومة الفرنسية؟
الدار/ افتتاحية
من المعروف أن ستيفان سيجورنيه الذي عُيّن على رأس وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية في الحكومة الجديدة لا يكنّ الكثير من الودّ للمغرب. لقد كان مسؤولا مسؤولية مباشرة عن الحملات التي خاضتها الكثير من الجهات في فرنسا ضد المغرب ومصالحه منذ فترة. كان من بين مظاهر هذه الحملة ما قام به هذا السياسي الغرّ في البرلمان الأوربي عندما حاول تحريض المؤسسة التشريعية الأوربية ضد المغرب في بعض المواقف من قضايا حقوق الإنسان وحريات الإعلام. صحيح أنه كان في السابق نائبا برلمانيا ولم يكن مسؤولا حكوميا في الحكومة الفرنسية، لكنّ مع ذلك فإن تعيينه قد ينطوي على رسالة غير ودّية.
هل يمكن اعتبار اختيار سيجورنيه في منصب وزارة الشؤون الخارجية رسالة معاكسة من إيمانويل ماكرون إلى المغرب؟ ربّما، دون مبالغة. نحن نلاحظ أصلا أن إيمانويل ماكرون يقاوم بشدة منذ وصوله إلى السلطة التحولات الكبرى التي شهدتها قضية الوحدة الترابية للمملكة ويرفض مسايرتها بقرارات سياسية شجاعة على غرار تلك التي اتخذتها الولايات المتحدة الأميركية أو إسبانيا. ولعلّ تعيين هذا الموظف الجديد ذو الميولات التقدمية الكبيرة، إلى جانب “شريكه” رئيس الحكومة غابريال أتال، يمثل أيضا مزيدا من الغموض في الموقف الفرنسي تجاه مستقبل العلاقات مع المغرب، وإمكانية حلحلة القضايا العالقة التي تشمل بالإضافة إلى تأخر فرنسا في مسألة مواكبة الاعتراف بمغربية الصحراء، قضايا أخرى تهم ملفات الهجرة والتأشيرات وغيرها.
سيجورنيه من طينة السياسيين الذين استفاقوا فجأة ووجدوا أنفسهم على غرار إيمانويل ماكرون في مناصب ومسؤوليات كبيرة ذات حساسية استراتيجية. منصب وزير الخارجية في الجمهورية الفرنسية ليس منصبا حكوميا بيروقراطيا يمكن أن يتحمّل مسؤوليته أيّ موظف كيفما كان. إنه منصب ذو أهمية بالغة بالنظر إلى أنه يعبّر عن توجّهات البلاد واختياراتها فيما يتعلق بتدبير العلاقات الخارجية، ولعلّه يزداد حساسية في الوقت الراهن الذي تعيش فيه فرنسا الكثير من التحديات فيما يخص الحفاظ على إشعاعها ونفوذها في العديد من بقاع العالم، وعلى رأسها منطقة غرب إفريقيا والساحل والصحراء. سيجورنيه اليوم مقبل على تولّي وزارته بعد أن اضطرت فرنسا اضطرارا إلى مغادرة النيجر وسحب قواتها من هذا البلد.
إذا أصرّ وزير الخارجية الجديد إذاً على توجهه العدائي ضد المغرب، فهذا يعني احتمال حصد فرنسا خسارة أخرى على ساحات العلاقات الخارجية. لن تقبل بلادنا أبدا من السلطات الفرنسية سياسة الكيل بمكيالين أو اللعب على الحبلين. وما كان بإمكان وزير الخارجية القيام به أمس عندما كان متحررا من المسؤوليات الحكومية لا يمكنه أبدا أن يقوم به اليوم لأنه سيمثل موقفا رسميا للدولة الفرنسية. لقد خبِرنا على مدار سنوات أساليب المؤسسات الفرنسية المختلفة أمنية أو إعلامية أو حزبية في تصريف مواقف الدولة بأسلوب ذكي لا يخلو من الخبث أحيانا، لكنّنا ندرك أكثر اليوم أن وزير الخارجية الجديد ملزم باحترام الأعراف والقواعد الدبلوماسية الدولية المتعارف عليها.
قصة الحملات المغرضة والموجّهة يجب أن تنتهي إلى الأبد. ليس لدى المغرب ولا أيّ بلد إفريقي آخر أيّ استعداد لتلقّي الدروس لا سيما من طبقة سياسية غربية وفرنسية موبوءة ومسكونة بهواجس المصالح الضيقة ولا تتردد في توظيف المبادئ والحقوق والعناوين الرنانة لابتزاز الدول الأخرى والتفاوض مع الأنظمة السياسية من أجل ضمان مصالح فرنسا وامتيازاتها في المنطقة. وزارة الخارجية الفرنسية الحالية مطالبة بالتصالح مع تاريخ العلاقات المغربية الفرنسية، والانصياع لإرادة التاريخ وقوة الواقع الذي يؤكد اليوم أن كل الصراعات الموروثة عن حقبة الحرب الباردة ينبغي لها أن تنتهي نهاية سعيدة، وتخرج من دواليب التوظيف والاستغلال الدبلوماسي المقيت. سيجورنيه مرحّب به في المغرب لغرض واحد وأوحد، هو افتتاح القنصلية الفرنسية في الأقاليم الجنوبية.