أزمة بلماضي.. لماذا يصرّ ابن البلد على أخذ مستحقاته كاملة؟
الدار/ افتتاحية
من الواضح أن الأزمة التي اندلعت بين المدرّب جمال بلماضي والاتحاد الجزائري لكرة القدم ستكشف الكثير من الجوانب الخفية والأسرار المؤذية التي يحاول نظام الكابرانات التكتّم عليها، على غرار الفشل الذريع الذي حققه المنتخب الجزائري في منافسات كأس إفريقيا للأمم الدائرة أطوارها بدولة ساحل العاج. يتشبث جمال بلماضي بالحصول على مستحقّاته كاملة قبل تقديم استقالته ويشترط على الأقل مبلغ 1,2 مليون يورو، أي ما يعادل راتب 6 أشهر. قد ينصّ العقد الذي جمعه بالاتحاد الجزائري على شرط جزافي أكبر ربّما يصل إلى راتب عامين كاملين، لكنّ هذا المبلغ وحده يمثل ورطة أخرى لإدارة كرة القدم الجزائرية.
لكن المثير في مسلسل الأزمة بين بلماضي واتحاد بلاده ليس هو حجم المبلغ وإنما تشبث هذا المدرّب بالحصول على مستحقاته على الرغم من فشله في تحقيق أيّ نتيجة تذكر لكرة القدم الجزائرية منذ 2019. لقد أخفق في تأهيل المنتخب الجزائري إلى نهائيات كأس العالم 2022، كما خرج من الدور الأول في دورتين متتاليتين من بطولة كأس إفريقيا للأمم. ومع ذلك يريد المدرّب بلماضي أن يحصل على كامل مستحقّاته. بعض المراقبين والمحلّلين الجزائريين يعتقدون أن على الرجل أن يخجل من نفسه ويقدم استقالته مباشرة بعد الإقصاء الأخير دون أن يأخذ فلسا واحدا، كما يفعل الكثير من المدرّبين الذين يتحمّلون مسؤولياتهم في حال الفشل.
لماذا يصرّ بلماضي إذاً على أخذ هذه المستحقات على الرغم من النتائج السلبية التي حصدها؟ هناك رسالة بليغة يحرص بلماضي على إبلاغها للجزائريين والنظام الجزائري والجماهير الجزائرية. هذه الرسالة مفادها أنه أولى بأموال الشعب الجزائري التي تُهدر هنا وهناك دون حسيب أو رقيب. إذا كان نظام الكابرانات قد اعتاد على إنفاق أموال الجزائريين في الكثير من المشاريع الفاشلة ومنحها للعديد من الكيانات والجهات التي لا تستحقّها وتقديمها على طبق من ذهب للأجانب عنادا وغيرة فقط، فلماذا تريدون من بلماضي إذاً أن يتنازل عن حقوقه المالية المنصوص عليها في العقد الذي يجمعه بالاتحاد الجزائري لكرة القدم؟
بلماضي رجل واقعيّ جدا، ويعلم جيدا أن أموال البترول الجزائري ستذهب إلى غيره بمجرد أن يرحل من منصبه، هو الذي يحلب بقرة الكابرانات منذ 2018 ويحصل على أعلى راتب في القارة الإفريقية وعلى واحد من أعلى رواتب المدرّبين في العالم حيث يتجاوز دخله 200 ألف يورو شهريا. قد يرى بعض الجزائريين في موقف بلماضي وإصراره على تحصيل كامل حقوقه نوعا من اللاوطنية وقد يتهمه البعض بالخيانة وعدم الوفاء للراية الجزائرية التي حملته إلى مصافّ الشهرة بين المدرّبين العرب والأفارقة. لكنّه يبدو من منظور الواقع والمنطق محقاً إلى حد كبير لا سيّما إذا علمنا أن كرة القدم في الجزائر شأن سياسي صرف.
سلوكه هذا نتيجة طبيعية إلى هذا النهج الذي يصرّ على تحميل لعبة كرة القدم ما لا تحتمله وتحويلها إلى ساحة صراع ومنافسة سياسية داخليا وقاريا ودوليا. لو كان الجزائريون يتعاملون مع كرة القدم بناء على وظيفتها الطبيعية باعتبارها مجرد رياضة كباقي الرياضات، لما تورّط الاتحاد الجزائري في عقد كهذا الذي حصل عليه بلماضي، ولما اضطر اليوم إلى التفاوض مع ابن البلد من أجل التنازل عن قدر معين من الشرط الجزائي وتقليل الخسارة التي سيتحمّلها الاتحاد الجزائري ويدفعها من أموال الجزائريين البسطاء.
لا نريد أن نقدم الدروس لأحد، لكن من المفيد أن نذكّر في هذا السياق أن راتب المدرّب الوطني وليد الركراكي لا يتجاوز 60 ألف دولار أميركي شهريا، أي أنه يحصل على ربع راتب بلماضي تقريبا. هل هذا يعني أنه أقل كفاءة أو نتائجَ، طبعا لا. فلا مجال للمقارنة بين مدرّب نجح في إيصال منتخب بلاده إلى نصف نهائي كأس العالم وبين مدرّب فشل في تأهيل منتخب بلاده إلى نهائيات كأس العالم أصلا. لكن الفرق الأكبر هو في انعدام الانتماء والثقة في الوطن ومؤسساته.