ما دلالات رئاسة المغرب لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي؟
الدار/ افتتاحية
تتولى المملكة المغربية، العضو في مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي لولاية من ثلاث سنوات (2022-2025) اعتبارا من فاتح فبراير 2024، رئاسة هذه الهيئة التقريرية المهمة، المكلفة بتعزيز السلم والأمن والاستقرار في القارة الإفريقية. يتزامن تكليف المغرب بهذه المسؤولية مع مرور سبع سنوات على عودته إلى الاتحاد الإفريقي عضوا كامل العضوية بدعم وإجماع من جلّ الدول الأعضاء الذين استقبلوا هذا القرار بحفاوة كبيرة حينها. لم تنس إفريقيا ذلك اليوم الذي زيّن فيه حضور جلالة الملك مقر الاتحاد الإفريقي في قمة أديس أبابا التي انعقدت يوم 30 يناير 2017. هذا اليوم المشهود في تاريخ المغرب وإفريقيا كان اعترافا من الحكومات والشعوب الإفريقية بالمكانة الكبيرة التي أضحت بلادنا تحتلّها في القارة السمراء.
ولعلّ العودة إلى تكليف المغرب للمرة الثالثة منذ عودته بمهمة رئاسة مجلس السلم والأمن الإفريقي يؤكد بالملموس مضامين هذا الاعتراف. من الواضح أن المسؤولين الأفارقة أدركوا القيمة الكبرى لما يبذله المغرب من جهود جبّارة على مستوى القارة من أجل الحفاظ على استقرار بلدانها وتعزيز أمن شعوبها على الأصعدة كافة. المغرب بلد واعٍ إلى أبعد حدّ بالتحديات الأمنية العديدة التي تواجه دول إفريقيا وشعوبها. ومن ثمّ فإن إسناد رئاسة هذا المجلس إليه تعدّ أيضا طلبا ضمنيا من الاتحاد الإفريقي للاستفادة من خبرات المغرب التي تراكمت في العقود الأخيرة على مستوى مكافحة مختلف التهديدات الإرهابية والمخاطر الأمنية التي تتخذ مظاهر عدة بدءاً بالتصدي للجماعات المسلحة مرورا بمحاربة مظاهر التطرف وصولا إلى القضاء على الجريمة المنظمة.
إفريقيا تعاني منذ عقود طويلة من ثغرات أمنية لا حصر لها. وأخطر هذه الثغرات طبعا هي النزاعات الحدودية التي خلّفها الاستعمار والحركات الانفصالية المصطنعة إضافة إلى الحروب الأهلية أو الإقليمية. ولعلّ الميزة الأساسية التي تؤهل المغرب إلى رئاسة مجلس السلم والأمن مرة أخرى هي الموقف الخالص من أيّ مصالح أو مواقف مسبقة أو غايات سياسية يمكن أن تحرّكه أو تؤثر على قراراته أو مشاريعه في أُثناء أداء مهام هذه الرئاسة. ليس لدى بلادنا أيّ مصالح في أيّ صراع أو نزاع إفريقي ولا يمكن أن يتدخّل المغرب في أيّ مواجهة جارية في القارة السمراء أو يصطف إلى جانب طرف ضد آخر. المغرب يحرص باستمرار على إعطاء الأولوية لاحترام الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى والحوار البنّاء والتفاوض، ولا يميل أبدا إلى دخول مجالات الصراع أو توظيفها لتحقيق أهداف استراتيجية.
والدليل على ذلك هو أن المغرب كان باستمرار ينأى بنفسه عن الصراعات التي دارت حتّى في جواره ومحيطه الإقليمي القريب. ظل بعيدا عن الحرب الأهلية في الجزائر ولم يحشر نفسه في الصراعات الدائرة في منطقة الساحل والصحراء وما أكثرها؟ كما أنه اتخذ مبادرات سلمية خالصة في الأزمة الليبية وقدّم الكثير من جهود الوساطة التي أفضت إلى توقيع الفرقاء الليبيين على اتفاق الصخيرات الشهير. من هذا المنطلق يمكن أن نؤكد أن المغرب جاهز مرة أخرى لتحمّل مسؤولياته في رئاسة مجلس السلم والأمن الإفريقي في إطار ما يخدم مصلحة القارة السمراء ويساعدها على تجاوز الصراعات الأهلية أو البينية التي أرهقتها وأهدرت كثيرا من فرصها في النمو والتطور ورفع تحديات الألفية الثالثة.
ومن مظاهر هذا الإخلاص المغربي لمصلحة القارة أولا وقبل كل شيء الاقتراح الذي بادرت الرئاسة المغربية إلى تقديمه في إطار البرنامج الشهري للمجلس من خلال اجتماع وزاري تحت شعار: “الربط.. السبيل نحو تعزيز السلم والأمن والاندماج بإفريقيا”. الفلسفة التي تقف وراء هذا الاقتراح هي نفسها التي تحكم تعامل المغرب مع جيرانه الأفارقة منذ أكثر من عشرين عاما وأفضت إلى تحقيق الكثير من المكاسب. هناك وعي مغربي بأن الحلّ الأمثل لتجاوز الصراعات والحروب والأزمات هو الربط بين بلدان القارة الإفريقية عبر مصالح مشتركة اقتصادية وطاقية ولوجستية تدفع الأطراف جميعا إلى تجنّب كل ما من شأنه أن يهدد هذه المكتسبات وتحفزها على تبنّي الخيارات السلمية، مثلما حدث في القارة الأوربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وفي هذا الإطار كان مشروع الربط بأنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، ومقترح فتح منفذ على المحيط الأطلسي للعديد من دول الساحل الإفريقي.