التحليل الإخباري بخصوص الوضعية الأمنية وبلاغ الإدارة العامة
قطاع الأمن بسرعتين: قهر للإرهابيين وعجز أمام المجرمين
منذ تعيين عبد اللطيف الحموشي، مديرا عاما للأمن الوطني في ماي 2015 أصبح للعمل الأمني المرتبط بتكنولوجيا الاتصال والتواصل الحديثة حضور مكثف في يوميات الإدارة العامة. حرص دائم على مواكبة كل النداءات والاستغاثات التي تنقلها شبكات التواصل الاجتماعي ومتابعة دؤوبة لكل البلاغات والصور والفيديوهات التي تتناقلها الشبكة العنكبوتية عن الجرائم وأحداث العنف والاعتداءات والسرقات التي أصبح توثيقها بالصوت والصورة عملا روتينيا مع تطور علاقة المواطنين بالتكنولوجيات الحديثة.
وإذا كان هناك من قطاع حقق نسبة هامة من التطور في هذا المجال فهو القطاع الأمني. وفي هذا السياق يأتي بلاغ الإدارة العامة للأمن الوطني الصادر يوم الاثنين الماضي تفاعلا مع منشور في موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، يتناول الوضعية الأمنية بمدينة الدار البيضاء.
ورغم كل هذا الحرص المواكب لما يتم نشره هنا وهناك تبدو الوضعية الأمنية مثيرة للقلق لدى عموم المواطنين مع استمرار انتشار مظاهر العنف والسرقة بالنشل أو باستعمال السلاح، وهي الجريمة التي أصبحت تقض مضجع المغاربة خصوصا في أوساط النساء. ويسود لدى المواطنين إحساس عام بأن العمل الأمني يسير بسرعتين غير متكافئتين. فعلى مستوى حماية الحدود ومكافحة الجريمة المنظمة والتهديدات الإرهابية تحقق المصالح الأمنية بمختلف مؤسساتها نجاحات كبيرة خصوصا منذ أن تحققت الهيكلة الأمنية الجديدة مع احتفاظ عبد اللطيف الحموشي بمنصبه على رأس مديرية مراقبة التراب الوطني. وقد ضمنت هذه النجاحات للأجهزة الأمنية سمعة دولية وإقليمية مهمة.
وفي السنوات الثلاث الأخيرة يلاحظ أن هناك خطوات كبيرة تم تحقيقها على مستوى الرقي بأداء جهاز الأمن الوطني وتعزيز فعاليته وكذا حل معضلة التنسيق الأمني وتوفير قاعدة معطيات موحدة بين كافة الأجهزة التي تواجه اليوم أكثر من أي وقت مضى تحديات تطور الجريمة واتخاذها أبعادا جديدة ومختلفة. وهذا ما يفسر مستوى اليقظة الأمنية والضربات الاستباقية الموجهة للجماعات والخلايا الإرهابية بفضل استفادة الأجهزة الأمنية من توسيع قاعدة المعلومة ووسائل الوصول إليها مما مكن حسب التقارير التي تكشف عنها وزارة الداخلية باستمرار عن تفكيك عشرات الخلايا والتنظيمات وإحباط الكثير من العمليات الإرهابية التي كانت ستستهدف الاستقرار والأمن. وهذه النجاحات الأمنية الهامة هي التي تضع عبد اللطيف الحموشي على رأس قائمة المرشحين لتولي منصب وزارة الداخلية مستقبلا في حال إجراء تعديل حكومي.
لكن فعالية الإنجاز التي يتم تحقيقها على مستوى العمل الأمني الموجه نحو الظاهرة الإرهابية، يقابلها ضعف في الأداء الأمني الموجه نحو الجرائم الاجتماعية البسيطة التي تهدد عموم المواطنين. فمعدلات الاستجابة لنداءات الاستغاثة العادية عبر الهاتف لا تزال محدودة وبطيئة إلى حد كبير. كما أن بعض التدخلات الأمنية ضد بعض المجرمين أو المعتدين المسلحين على الخصوص أظهرت في كثير من المناسبات عدم تأهيل بعض العناصر الأمنية لخوض مثل هذه التدخلات. ظهر هذا الأمر جليا عندما تم توثيق عمليات اقتحام قامت بها قوات الأمن ضد بعض المجرمين الذين تطلبت السيطرة عليهم مدة زمنية طويلة وتم خلالها توظيف أساليب وطرق هاوية وبدائية. قد تفصح الأرقام والإحصائيات الأمنية عن جهود جبارة، وهو أمر صحيح.
فقد أكدت المديرية العامة للأمن الوطني، في بلاغها أن العمليات الأمنية الرامية لمكافحة الجريمة بمدينة الدار البيضاء على سبيل المثال، برسم الأشهر الخمسة الأولى من السنة الجارية، مكنت من توقيف 52 ألف و406 شخصا من أجل جنايات وجنح مختلفة، من بينهم 10 آلاف و289 كانوا يشكلون موضوع مذكرات بحث على الصعيد الوطني في عدة أصناف من القضايا الإجرامية. وأضاف المصدر ذاته أن التحليل النوعي للقضايا المسجلة يؤكد أن الجرائم العنيفة التي ترتبط بشكل مباشر بالإحساس بالأمن لدى المواطن تمثل فقط 11,43 بالمائة من المظهر العام للجريمة، وقد بلغت نسبة حل هذه الجرائم 81 بالمائة، كما أنها تراجعت بشكل ملحوظ مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، بنسبة انخفاض تقدر ب 19,5 بالمائة.
لكن هذه المعطيات رغم صحتها فهي لا تمثل شيئا أمام تنامي الظواهر الإجرامية وأعداد الجرائم التي لا يتم أصلا التبليغ عنها أو يتم حلها بطرق تقليدية. ومن المعروف لدى إدارة الأمن الوطني أن ما لا يتم التبليغ عنه يفوق بكثير ما يصل إليها من أحداث واعتداءات. كما أن مساطر حلحلة القضايا المبلغ عنها ومدتها لا تزال معقدة وطويلة. ويعد هذا الواقع من بين العوائق التي تحول دون انتشار وشيوع ثقافة التبليغ واللجوء إلى المصالح الأمنية بين المواطنين. وفي هذا الإطار ينتظر إدارة الأمن الوطني عمل جبار على مستوى توعية المواطن بضرورة اللجوء إلى المساطر القانونية لانتزاع حقوقه واسترجاع اعتباره. غير أن أكبر تحدي تواجه الجهود الأمنية في هذه النوعية من الجرائم هو الانسجام بين السلطات الأمنية والسلطات القضائية على مستوى قوة الزجر وإنفاذ القانون ضد المجرمين والمخالفين. فالتساهل القضائي الذي أصبح ظاهرة ملحوظة في ظل إكراهات وضعية السجون وضرورة احترام حقوق الإنسان يعتبر من أكثر العوامل الناسفة للجهود الأمنية.