أخبار الدارسلايدر

رهانات الهجوم الإيراني وانعكاساته على حرب غزة

الدار/ افتتاحية

بعد ثلاثة أيام من التحذيرات الأميركية أطلقت إيران هجومها الباليستي على إسرائيل برشقة صاروخية وأسراب من المسيّرات طالت الكثير من المواقع العسكرية في إسرائيل، بينما أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض غالبية هذه الصواريخ. وفي ظل التضارب في المعطيات المتعلقة بالتأثيرات الميدانية لهذا الهجوم يبدو أن هذا الحدث العسكري الكبير ستكون له تداعيات كبيرة محتملة على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وبصرف النظر عن مدى جدّية هذا الهجوم أو انخراطه في إطار جولة جديدة من المواجهة بين الطرفين فمن المرجح أن تكون له انعكاسات مباشرة على الحرب المتواصلة منذ 6 أشهر في قطاع غزة. لقد لاحظنا بالأمس كيف خفتت الأنباء القادمة من ميادين القطاع وفسحت المجال أمام الأنباء حول الضربة الإيرانية.

وعلى الرغم من أنّ هذه المواجهة كانت متوقعة بناء على التحذيرات الأميركية والغربية عموما فإن واشنطن تجد نفسها اليوم في مشكلة حقيقية. صحيح أن الهجوم الإيراني يمثل خطوة هادفة إلى تحقيق غايات جيوستراتيجية في المنطقة على رأسها حماية الوكلاء الذين يخوضون الحرب نيابة عنها في لبنان والعراق واليمن وسوريا، لكنّه يظل في جميع الأحوال معطى مؤثرا ينضاف إلى ساحة التطورات الأمنية التي تشهدها المنطقة منذ 7 أكتوبر. لقد اتضح لإيران بعد 6 أشهر من الحرب الدائرة في غزة أن إسرائيل مصرّة على استهداف حلفاء إيران في المنطقة وبلغ الأمر ذروته بعد الهجوم على مقر القنصلية الإيرانية في دمشق وأدى إلى مقتل 5 أشخاص بينهم القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني، محمد رضا زاهدي.

ولعلّ الهجوم الذي أطلقته إيران في هذا التوقيت بالضبط محاولة لتعزيز نتائج عملية طوفان الأقصى التي خاضتها حركة حماس. لقد تبين أن إسرائيل لا تعتزم أبدا التوقف عن العدوان على قطاع غزة، بل تنوي أيضا توسيع دائرة المواجهة باتجاه حزب الله في لبنان. وتدرك إيران أن هزيمة محتملة لحماس أو حزب الله تعني تقليم أظافرها في المنطقة ومن ثمّ تهديد استقرار نظام الملالي. لذا فإن هذا الهجوم الخاطف الذي أطلقته إيران بالصواريخ والمسيّرات يمثل مستوى أقصى من الإسناد لدفع إسرائيل نحو القبول بصفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق النار، وهو الاتفاق الذي ستعتبره إيران مباشرة انتصارا لها ما دامت الحرب دائرة خارج نطاق أراضيها.

والتهديد بالحرب الإقليمية كان منذ بداية العدوان على قطاع غزة خيارا تطرحه إيران وأثاره المسؤولون الإيرانيون في الكثير من التصريحات. لكنّ محدوديته التي بدت يوم أمس ولا سيّما بعد اعتراض جلّ الصواريخ من طرف المضادات الجوية في الأردن وإسرائيل يمكن أن تُؤدي إلى نتائج عكسية وتُظهر ضعف الردّ الإيراني وعجزه عن تحقيق الردع الذي تريد إيران إعادة بلورته من جديد. لقد كان هذا الردع يعتمد في السابق على وكلاء إيران في المنطقة لكن اللجوء إلى المواجهة المباشرة يمثّل في هذا السياق رسالة إلى واشنطن من أجل العمل على التسريع للضغط على إسرائيل من أجل القبول بصفقة اتفاق في أقرب وقت وإنهاء هذه الجولة الجديدة من المواجهات.

لكن ماذا لو كان الهجوم الإيراني تغطية على حدث أكبر من ذلك؟ منذ سنوات تسعى طهران إلى امتلاك السلاح النووي وهي تخوض مفاوضات لا تكاد تنتهي مع الدول الغربية ولا سيّما الولايات المتحدة الأميركية من أجل التوصل إلى اتفاق بهذا الخصوص. وقد حقّقت في مراحل سابقا تقدما تقنيا كبيرا في هذا الإطار، ثم وقعت اتفاقا يقضي بالحد من هذه الرغبة مقابل رفع العقوبات الاقتصادية، لكن سرعان ما تراجعت الدول الغربية عن هذا الاتفاق وخسرت إيران مليارات الدولارات التي كانت هذه الدول قد وعدت بها مقابل الاتفاق. وهي تريد أن تذكر الغرب مرة أخرى من خلال الهجوم الأخير بأنها قوة ضاربة في المنطقة وقادرة على تهديد مصالحه وحليفه إسرائيل، ومن ثمّ فإنها تستحق أن تحصل على ما تريده من دوله.

وفي جميع الأحوال من المحتمل أن تكون لهذا الهجوم انعكاسات مهمة على الحرب الدائرة في غزة، ومن المؤكد أن الولايات المتحدة الأميركية أصبحت أكثر حرصا من أيّ وقت مضى على التسريع بإنهاء الحرب والتوصل إلى اتفاق للحؤول دون تفاقم التوتر والدخول في حرب مواجهة مباشرة بين إيران وحلفائها في المنطقة. وهي مواجهة محفوفة بالكثير من المخاطر تبدو إسرائيل في غنى عنها في الوقت الحالي بالنظر إلى أنها تحارب على عدة جبهات.

زر الذهاب إلى الأعلى