غير مصنف

تحليل إخباري عن خرجة بنكيران الأخيرة‎

"أرض الله واسعة" على لسان بنكيران..هل هي بذور الانشقاق؟

"أرض الله واسعة" عبارة قرآنية استلهمها قبل القياد الاتحادي الشهير عبد الرحيم بوعبيد للإجابة عن أنباء الانشقاق الذي سيعرفه حزب الاتحاد الاشتراكي عقب المؤتمر الخامس، وهي العبارة ذاتها التي يعود الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية لترديدها مجددا خلال لقائه أمس بأعضاء شبيبة الحزب بالحي الحسني بالدار البيضاء. بنكيران الذي احترف الخرجات الإعلامية المسجلة على شبكات التواصل الاجتماعي منذ تقاعده عن رئاسة الحكومة لم يقف عند حديثه عن أرض الله الواسعة دلالة على استعداده للرحيل من الحزب بل وجه انتقادات أخلاقية لاذعة لبعض قيادييه.

"واحد الأخ أو الإِخ كيتحرش بالأجانب والأخوات داخل الحزب" هكذا وصف بنكيران في لقائه الإعلامي الجديد حال الحزب فيما يبدو أنه نقد موجه إلى شخصية أو شخصيات بيجيدية بعينها تمارس سلوكات اعتبرها بنكيران مشينة ولا تمت للحزب بصلة. "الإِخ" بالكسر كما وردت على لسان الأمين العام السابق للحزب تعبر عن تشريح صريح وجريء للوضع الذي آل إليه حزب العدالة والتنمية الذي يستند في مرجعيته على مفهوم الأخوة الدينية. وتعتبر هذه اللهجة الساخرة واللاذعة التي يصف بها بنكيران رفاقه في الحزب علامة على أن الرجل لا يزال على تواصل بقواعد الحزب وقياداته وأجهزته ويحاول من خلال هذا التوصيف استعراض درايته بما يجري داخل الهيئة الحزبية التي كان يقودها. كما أن نعت "الإِخ" ربما يشير إلى من يعتبرهم بنكيران أعضاء غير مؤمنين في نظره بقيم الحزب ومبادئه وإنما يستغلونه فقط كمطية لتحقيق طموحات شخصية.

هذا الافتراض الأخير أكده بنكيران في نفس الحديث عندما تطرق إلى من سماهم "ميخيات" الذين يجرون وراء الظهور في شاشات التلفزيون ويحلمون ببلوغ مراتب عليا في السلطة والسياسة. ورغم أن بنكيران تفادى ذكر الشخصية المقصودة بالإسم إلا أن سوابق الصراع الذي يدور داخل الحزب منذ إعفاء بنكيران من مسؤولياته في رئاسة الحكومة ثم استبداله بالعثماني تؤكد أن الأمر يتعلق هنا بشخصية وزير من وزراء الحزب الذين من أكبر من عارض مسايرة بنكيران بعد إعفائه للخروج من الحكومة والاصطفاف في المعارضة. كما تعد هذه الشخصية في نظر الكثيرين من أعضاء الحزب محسوبة على السلطة ولا تخفي طموحها باستمرار نحو التشبث بالوزارة بغض النظر عن قرارات الحزب في اختيار المشاركة أو المعارضة.

ويأتي "نشر الغسيل" الداخلي الأخلاقي للحزب في سياق يواجه فيه تراشقا كلاميا مع أحزاب سياسية أخرى وعلى رأسها حزب الأصالة والمعاصرة. ويتبادل الحزبان منذ فترة الاتهامات بالفساد والتأثير السلبي على الحياة السياسية واستغلال الدين وغيرها من التهم. ورغم هذه الظرفية الخاصة من الصراع الحزبي لم يمنع ذلك بنكيران من القول للأعضاء الذين وصفهم ب"الميخيات" كناية عن ضعف الشخصية وهزالة المستوى إلى "أن يغادروا الحزب أو نغادره نحن". ويفتح هذا الخطاب التساؤل على مصراعيه عن احتمالات دخول حزب العدالة والتنمية في مرحلة التحلل التي قد بدأت أولا بتراجع الشعبية ثم بظهور تيارات متصارعة وقد تتكرس الآن باحتمالات الانشقاق أو الانقسام.

فمن غير المنطقي أن يتخلى عبد الإله بنكيران الذي يعد حيوانا سياسيا بامتياز عن ممارسة حرفة السياسة على ما يبدو. فمنذ إعفائه لم يتوقف الرجل عن التدخل في كل تفاصيل ويوميات الحزب بل وحتى في العمل الحكومي الذي يقوده خليفته الدكتور سعد الدين العثماني. هذا الإصرار على الاستمرار في المشهد من خلال الوسيط الإعلامي المتمثل في شبكات التواصل الاجتماعي دليل على أن بنكيران قد يذهب بعيدا في تشبثه بالعمل الحزبي حتى ولو تطلب الأمر خوض تجربة حزبية جديدة بنخبة أخرى تتلاءم مع أفكاره ومبادئه واختياراته. هذا لا يعني أن الانشقاق داخل حزب العدالة والتنمية الذي يفتخر بتماسكه وانضباط قواعده أصبح قاب قوسين أو أدنى، لكن من المؤكد أن الصراعات التي أعقبت تدبير نتائج مرحلة البلوكاج قد تتبلور وتتطور بسرعة في اتجاهات مفاجئة خصوصا بعد كل ما واجهه الحزب من خدوش على مستوى صورته ورصيده الأخلاقي في الآونة الأخيرة. فهل يزرع بنكيران بحديثه عن "أرض الله واسعة" بذور انشقاق داخل الحزب الإسلامي؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى