أخبار الدارسلايدر

كيف يناقش رئيس الدولة الجزائرية أسرار بلاده مع رئيس بلدية؟

الدار/تحليل

ما تسرّب من كواليس اللقاء الذي جمع بين الرئيس الجزائري عبد المجيد. و و تبون وعمدة مرسيليا بونوا بايان خلال لقائهما مؤخرا يؤكد بالملموس مرة أخرى أن الجزائر يديرها نظام مرتعش وغبي سياسيا وحاقد لا همّ له غير المغرب ووحدته وقوته. ما صرّح به تبون خلال هذا اللقاء وضعه في موقف محرج لأنّه شبيه بالحديث الذي يجب أن يصدر عنه خلال استقبال رئيس الدولة الفرنسية، في حين أن الأمر يتعلق برئيس بلدية من بلديات فرنسا لا أقلّ ولا أكثر. ما علاقة عمدة باريس بالسياسة الداخلية لفرنسا وصعود اليمين المتطرف؟ وما شأنه بمستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية إذا ما صوتّ الفرنسيون لأحزاب اليمين في الانتخابات التشريعية؟
لقد كشفت مغرب أنتيلجينس نقلا عن مصادر مطلعة أن عبد المجيد تبون سمح لنفسه خلال هذا الاستقبال بإلقاء خطبة عصماء عن الصعوبات التي تواجهها العلاقات بين البلدين، وعبّر عن مواقف متشنجة تّجاه اليمين المتطرف في فرنسا وكأنه يتحدث إلى الرئيس الفرنسي أو إلى وزير الخارجية. ولعلّ هذا السلوك في الحقيقة يشبه إلى حد كبير الميل إلى تفريغ المواقف والآراء المتطرفة في حضور شخص ضعيف لا حول له ولا قوة لأنّه لن يستطيع فعل ذلك طبعا أمام المسؤول الحقيقي عن السياسات الداخلية والخارجية لفرنسا. لقد وصل به الأمر حدّ التطرّق إلى أسرار سياسية يفترض ألّا تُناقش مع مسؤول صغير بحجم عمدة بلدية مرسيليا الذي يجب ألّا يحظى أصلا باستقبال رئاسي رسمي، وحتّى إن حدث ذلك فإنّه يجب ألّا يتعدّى الجانب البروتوكولي فقط.
والأكثر إثارة للاستغراب في هذا اللقاء أن تبون حاول استعراض عضلاته السياسية عندما ناقش مع عمدة باريس “مخاوفه من ثقل اللوبيات الموالية للمغرب لأنها تريد “إجبار”، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على الابتعاد عن الجزائر، تماشيا مع مصالح الرباط، في بعض القضايا الإقليمية والجيوسياسية التي تهم الجزائر بشكل مباشر” وفقاً لما أورده الموقع الإخباري الذي نقل المعطيات التي تم تداولها خلال هذا اللقاء. حتّى إن كان هذا الادعاء الذي يطلقه تبون صحيحا، فكيف يقبل على نفسه أن ينحدر إلى هذا المستوى ليناقش الأمر مع مسؤول جماعي صغير مثل عمدة باريس؟ لعلّ العمدة الفرنسي نفسه أصيب بالدهشة لما سمعه خلال هذا اللقاء، ولم يكن أبدا يعوّل أن يناقش هذه القضايا مع الرئيس الجزائري. بل من المؤكد أنه شعر بالصدمة عندما تطرّق تبون إلى أسباب تأجيل زيارته إلى فرنسا منذ 2022.
لعلّ تبون لم يصدق بعد أنّه رئيس دولة. ولم يفهم يوما أن البروتوكولات الدبلوماسية تقتضي أن تعطي لكل ذي حقّ حقه، وألّا ينزل رئيس الدولة إلى مستوى المسؤولين الصغار، وأن مصطلح المسؤول “الرفيع المستوى” ليس بدعة اخترعتها وسائل الإعلام بل هو ضرورة دبلوماسية فرضتها ظروف إدارة العلاقات الخارجية للدول، وأساليب التواصل المعمول بها في هذا الإطار. لكن في جميع الأحوال لا يمكننا أن نستغرب هذا الانبطاح الذي وصل إليه تبون إذا تذكّرنا أنّه كان دائما رجلا ضعيف الشخصية وصنيعة العسكر ودمية هذا النظام الفاشل. وكلّنا نتذكّر كيف ارتعش وابتلع ريقه عندما جلس أمام الرئيس الروسي في الزيارة الأخيرة التي قام بها إلى روسيا، حتّى وصل الأمر إلى مبادرة فلاديمير بوتين بطمأنته بابتسامة ماكرة وكلمات ودية.
من المخجل أن يخصّص رئيس دولة بمكانته البروتوكولية المفترضة ساعتين كاملتين لاستقبال رئيس بلدية مهما كانت المدينة التي يسيّرها. حتّى عمدة نيويورك أو باريس أو طوكيو لا يمكن أن يحظى بهذا الاهتمام كلّه إذا سافر إلى بلد آخر. وهذا دليل إضافي على أنّ العزلة التي يعيشها نظام الكابرانات تدفع مسؤوليه، ولا سيّما رئيسه إلى اغتنام أيّ فرصة يلتقي خلالها بمسؤول أجنبي سفيرا كان أو عمدة أو رئيس جماعة حضرية أو قروية لمحاولة إثبات وجوده والتعبير عن مواقفه التي لم يعد يكترث لها أحد في عالم الكبار.

زر الذهاب إلى الأعلى