أخبار الدارالملكسلايدر

خطاب العرش يعيد الاعتبار لأولوية الماء بالتشخيص والحلول

 

الدار/ تحليل

الاهتمام الملكي في خطاب الذكرى 25 لعيد العرش بقضية الماء يبرز جانبا من الرؤية الملكية المميزة التي كانت دائما تركز على الأولويات قبل كل شيء. والإشارات التي تضمنها الخطاب الملكي بشأن هذه القضية تؤكد أن ملف مشكلة الماء يعد تحديا حقيقيا أمام المغرب والمغاربة حاليا ومستقبلا، وهي تمثل في الوقت نفسه رسائل صريحة إلى المؤسسات التنفيذية والتشريعية وكذا إلى الأفراد والمواطنين من أجل تحمل المسؤولية الكاملة تجاه هذه المعضلة الخطرة. لقد كان خطاب العرش بمثابة وثيقة تربوية دقيقة وخارطة طريق في الوقت نفسه من أجل التغلب على هذه الأزمة بما يلزم من مشاريع وخطط وتشريعات والتزامات أخلاقية.
نحن هنا أمام تشخيص دقيق بدأه جلالة الملك بإشارة ضرورية إلى أن مشكلة الماء لا ترتبط فقط بالاعتبارات الطبيعية والمناخية والاستهلاكية بل تتعلق أيضا “بالتأخر في إنجاز بعض المشاريع المبرمجة، في إطار السياسة المائية”. وهذا التقييم الملكي لأبعاد هذه الأزمة لا يمكن أن يكتمل إلا من خلال التذكير بأهم الإجراءات التي تم اتخاذها في الماضي ومنها التنزيل الأمثل، لكل مكونات البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي ساهم في التخفيف من حدة الوضع المائي. ومن المؤكد أن هذا التشخيص يجد أيضا قوته ودقته في وضوح الرؤية والأهداف حيث أشار جلالته إلى أن الغاية من كل المشاريع والبرامج تحقيق هدف استراتيجي، في كل الظروف والأحوال، وهو “ضمان الماء الشروب لجميع المواطنين، وتوفير 80 في المائة على الأقل، من احتياجات السقي، على مستوى التراب الوطني”.
تخصيص ثلاثة أرباع خطاب ملكي تاريخي بهذه الأهمية لمعضلة الماء إشارة ملكية استثنائية تؤكد أننا سنواجه فعلا تحديا كبيرا إذا استمر التأخر في إنجاز هذه المشاريع أو في مواكبتها بالسلوكيات الاستهلاكية الملتزمة أو غياب أشكال الابتكار في حل هذه المشكلة. ومن بين هذه الحلول المبتكرة التي أشار إليها جلالة الملك مشاريع نقل المياه من أحواض مائية إلى أخرى “من حوض واد لاو واللكوس، إلى حوض أم الربيع، مرورا بأحواض سبو وأبي رقراق”. ومن الواضح أن هذه المشاريع التي أشار إليها الملك محمد السادس تراهن على تحقيق قدر معين من العدالة المجالية في توزيع الثروة المائية الوطنية، بالنظر إلى أن هناك مناطق تعرف فائضا مائيا بينما تشهد مناطق أخرى خصاصا كبيرا.
لكن أهم الحلول التي وردت في الخطاب الملكي هو التذكير بضرورة “تسريع إنجاز محطات تحلية مياه البحر، حسب البرنامج المحدد لها، والذي يستهدف تعبئة أكثر من 1,7 مليار متر مكعب سنويا”. يلح جلالة الملك في هذا الخطاب على هذا الورش لأنه يمثل فعلا حلا مبتكرا وناجعا لتوفير احتياجات المدن من المياه ورفع الضغط عن المياه السطحية المعبأة في السدود والوديان والثقوب المائية. وإذا كان التشخيص وتقديم الحلول للأزمة المائية خيطا ناظما لهذا الخطاب التاريخي، فإن ثمة إشارة أخرى لا تقل أهمية ترتبط بتوفير الطاقات النظيفة التي ستساعد على تحلية المياه. لذا، تضمن خطاب العرش إعلانا مهما للغاية يتعلق بإنجاز مشروع الربط الكهربائي، لنقل الطاقة المتجددة، من الأقاليم الجنوبية إلى الوسط والشمال، في أقرب الآجال.
إنه مشروع ضخم وطموح سينقل المغرب لا محالة إلى مرحلة جديدة من التنمية والتطوير الاقتصادي وتأهيل البنيات التحتية، حيث يُفترض أن تستغل بلادنا ما توفره محطات الطاقة الشمسية والريحية التي بنيت في الأقاليم الجنوبية لإنتاج ما يكفي من الطاقات الكهربائية النظيفة. يعكس هذا الاهتمام الملكي إذاً بمعضلة الإجهاد المائي الأولويات الملكية التي تركز على الاحتياجات الاستراتيجية، وتعطيها المكانة التي تستحقها. هناك قضايا وملفات عديدة مفتوحة اليوم على الصعيد الوطني في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، لكن الرؤية المتبصرة لجلالة الملك تهتم باستمرار بما يحدد حاضر المغرب والمغاربة ومستقبلهم وأمنهم.

زر الذهاب إلى الأعلى