أخبار الدار

الهجرة السرية..الرباط بين سندان بروكسيل ومطرقة الأمم المتحدة

الدار/ رشيد عفيف

على أبواب انطلاق عبور 2019 الذي يؤذن بعودة مئات الآلاف من المهاجرين المغاربة في أوربا تتنامى التحديات الأمنية والسياسية والاجتماعية لظاهرة الهجرة السرية القادمة من إفريقيا جنوب الصحراء لتضع المغرب وسط مأزق يزداد يوما بعد يوم ضيقا وضغوطا تحت طائلة الوفاء بالالتزامات والمعاهدات الدولية والإقليمية.

وكلما ازدادت أزمة الهجرة السرية تفاقما في بعض بلدان الجوار وعلى رأسها ليبيا كلما ألقت بظلالها على معضلة الهجرة في المغرب باعتباره واحدا من أهم بلدان العبور في طريق المهاجرين السريين الراغبين في الوصول إلى أوربا.

وبينما يحاول الأوربيون وعلى رأسهم الجارة الإسبانية إقناع المغرب بفوائد التحكم في تدفق المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، تواجه الرباط انتقادات بعض الهيئات الدولية بسبب التزامه بالحد من هذه الظاهرة. وفي هذا الإطار وجهت المقررة الأممية الخاصة المكلفة بالتمييز العنصري نداء للسلطات المغربية، لوقف ما أسمته "الممارسات العنصرية تجاه المهاجرين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، ومنها النقل الإجباري، والاعتقال التعسفي، واللجوء إلى القوة المفرطة تجاههم".

وبينما ترفض العديد من البلدان الأوربية ومن بينها إيطاليا وفرنسا استقبال قوارب المهاجرين السريين العابرة للبحر الأبيض المتوسط، يواجه المغرب ضغطا من هذا القبيل الذي تمارسه الأمم المتحدة علما أن عشرات الآلاف من المهاجرين السريين يتدفقون سنويا على حدوده ويستقرون في مختلف المدن شمالا وجنوبا في انتظار فرصة للعبور.

وجاءت لهجة المقررة الأممية حادة غير مكترثة لحجم الظاهرة وأبعادها ومحدودية إمكانيات المغرب في مواجهتها حيث دعت المقررة الأممية السلطات المغربية، لتقديم مساعدة إنسانية عاجلة للمهاجرين المقيمين بالمغرب، و"الذين تعرضوا للعنف، وخصوصا اللذين يتعرضون لعنصرية مزدوجة، بسبب جنسهم أو ميولاتهم الجنسية أو عرقهم".

غير أن نداء المسؤولة الأممية أقر بجانب من المأزق الذي يعيشه المغرب الموزع بين ضرورة الالتزام بمضمون الاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوق المهاجرين وبين التزاماته تجاه جيرانه الأوربيين الذين يطالبونه بالتحكم في تدفقات المهاجرين السريين والعمل على الحد منها، فقد طالبت المقررة الأممية، السلطات المغربية، بدعوة المقرر الأممي الخاص المعني بحقوق المهاجرين، للقيام بزيارة خاصة للمغرب، مخصصة جزءا من تقريرها لتوجيه رسالة شديدة اللهجة للاتحاد الأوروبي، داعية إياه إلى وقف الضغط على الحكومات الإفريقية، لتقييد حرية المهاجرين في التنقل.

هذه الضغوطات الأوربية تهدف في أبعادها الخلفية إلى تحويل بلدان العبور كالمغرب وليبيا إلى بلدان استقرار للمهاجرين السريين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء.

ويواكب الاتحاد الأوربي هذه الضغوطات بمجموعة من الحوافز المالية لتشجيع السلطات المغربية على السير قدما في مخططات استقرار المهاجرين أو ترحيلهم نحو بلدانهم الأصلية لحماية الشواطئ الأوربية من تدفقاتهم. وفي هذا الإطار يأتي القرار الإسباني الأخير بمنح المغرب مبلغا ماليا قدر بـ26 مليون أورو، من أجل تعزيز مراقبة الحدود مع، سبتة ومليلية المحتلتين ومحاربة تدفق المهاجرين غير النظاميين المتوجهين إلى أوروبا، وذلك بعد تسجيل ارتفاع في عدد المهاجرين الراغبين في اختراق حدود المدينتين.

وبموجب هذا العقد، سيتم اقتناء المعدات اللازمة، من بينها سيارات رباعية، وسيارات إسعاف، وثلاجات، وخزانات مياه، وهي جزء من غلاف مالي يقدر ب140 مليون أورو، التي سبق أن وعدت بها المفوضية الأوروبية المغرب، في إطار المجهودات المبذولة للحد من ظاهرة الهجرة السرية. وتحاول إسبانيا منذ فترة تكثيف الضغوط على دول الاتحاد الأوربي من أجل انتزاع الدعم المالي اللازم لمساعدة المغرب في تنفيذ مخططات استقرار المهاجرين أو ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية.

ويأتي هذا الحماس الإسباني بعد أن سجلت مدريد في السنتين الأخيرتين تقدما كبيرا في التحكم في تدفقات المهاجرين السريين على شواطئها بفضل التعاون المغربي المتميز في هذا المجال.

وتخشى مدريد من شبح الحالة الإيطالية التي تواجه منذ سنوات تدفقات هائلة للمهاجرين السريين القادمين من ليبيا منذ انهيار نظام العقيد معمر القذافي ودخول البلاد في حرب أهلية. وبالمقابل تراجعت نسبة الهجرة السرية القادمة من المغرب  نحو إسبانيا بنسبة 40 بالمائة مقارنة بالعام الماضي. وكان المغرب قد رفض في الصيف الماضي رسميا طلبات دول الاتحاد الأوروبي التي ترغب في إقامة مراكز لإيواء المهاجرين غير الشرعيين على أراضيه، بهدف تخفيف الضغط على سواحلها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى