المواطن

مغربيات يصنعن الجمال.. حكاية الورد والملح والأركان

في واحد من أكبر المعارض المنظمة بالمغرب كانت الشابة فاطمة (إحدى عضوات تعاونية مغربية لتثمين الملح) تقف في رواق خاص بالمنتجات الجمالية.

ترتدي فاطمة لباسا تراثيا يعرّف بمنطقتها، وتعرض منتجات للتجميل مصدرها من الملح، ملح للاسترخاء والاستحمام، وملح مقشر للرجلين واليدين، تقدم فاطمة المنتجات بملامح متعبة رغم محاولتها عدم إظهار ذلك، وتشرح للراغبات في الحصول على بشرة بيضاء وناعمة طرق ووتيرة الاستعمال.

جلود نسائية مدبوغة
وفي زاوية من زوايا السوق الأسبوعي "سبت ارهونة" (ضواحي وزان) كانت الخالة فطوم تجلس على كيس بال، وتحمي نفسها بشمسية مهترئة من أشعة الشمس وبيدها "العابرة" (وحدة قياس الوزن)، تضعها فوق ثلج الملح وتنتظر الزبائن.

لا تحتاج لأن تسأل الخالة فطوم عن عمرها، فزهرة شبابها ذابت وسط الملح وتحت حر الشمس، وتجاعيد وجهها تحكي عنها، يداها تبدوان كصخرتين متشققتين، دبغ الملح جلدهما وقتل بهما الحياة، تداعب الملح وتحنو عليه ففيه لقمة عيش لها ومنه الكساء، الخالة فطوم أيضا عضوة في التعاونية التي تصنع من الملح مواد للجمال والبهاء.

شقاء نساء.. جمال نساء
نساء وهبن جلود أيديهن قربانا للملح، وأخريات يشتغلن بجمع الورد، وفي جمع نوى شجرة الأركان (وهو شجر نادر موجود في المغرب، زيته يستخدم بالمطبخ التقليدي، كما يستخدم لخواصه التجميلية والعلاجية)، ومنهن من تصارع أشواك الصبار ووعورة الشعاب والقفار، لجمع إكليل الجبل أو الريحان، نساء يذوب جمالهن كل يوم، ومن شقائهن يصنع الجمال.

مستحضرات التجميل المستخرجة من موادهن تنتشر في كل العالم، تستعملها موديلات الجمال للتليين والتبييض والتعطير، وتباع بأغلى الأثمان.

مع كل ومضة جمال تشتعل في مكان تنطفئ ومضات جمال عند قرويات امتزج قدرهن بالشقاء والحرمان.

لهن في الورد حياة
في واحة دادس بإقليم تنغير (الجنوب الشرقي المغربي) تشرق الإدريسية آيت حدو قبل شمس الربيع الغافية، تتريق بقهوة على عجل، وتتأبط شوالا أسودا كي تضع فيه محصولها اليومي من الورد الدمشقي (البلدي).

تجمع الإدريسية الورد بعناية متناهية، وتحافظ على وريقاته من التلف أكثر مما تحمي يديها من الأشواك، تبدو على يدي السيدة الخمسينية أثار ندوب قديمة، فجمع الورد عندها ومعها نساء تعاونية دادس وساكنة قلعة مكونة قصة حياة.

تقول الإدريسية "لحد الآن نستعمل الورد موردا لضمان العيش". 

وتذكر كيف أن حديث الورد حديث عيش في المنطقة، وكيف كان والداها يربطان بين وعدها باقتناء الأشياء ومحصول الورد "أنا قريت تحت نغمة محصول الورد، إذا كان المحصول جيدا نشري لك..".

ويشكل الورد الدمشقي المورد الاقتصادي الأساسي للنساء، تتمحور حوله حياتهن ويومياتهن، يعرنه من لون خدودهن وليونة جلود أياديهن، يحولن الورد زيوتا ومرطبات، وماء ورد وصابونا تتزين به موديلات الجمال وعارضات الأزياء، ويزين واجهة المحلات والمعارض وطنيا ودوليا.

جمال عالمي من نوى الأركان
موديلات جمال وشهيرات يتفاخرن باستعمالهن زيت الأركان المغربي، ويشدن بخصائصه في حفظ البشرة من التجاعيد، يدخل الأركان في مواد تجميلية عديدة، وصيت زيته تمشي به الركبان، وراء إنتاجه أياد كادحة وأجساد نال منها التعب وأنهكها البقاء في الأحراش والحقول لساعات تحت الشمس الحارقة.

تقول فاطمة اكناين (28 عاما) رئيسة جمعية "الوماس" في قبائل أنزي بالأطلس الصغير (ضواحي تزنيت) إن النساء المشتغلات بالأركان يجمعنه من الحقول بعناء، يقضين طوال اليوم في حر الصيف يجمعن حبات الأركان في أكياس يحملنها على ظهورهن.

وتعمل نساء الأركان داخل التعاونيات على عزل قشرة حبة الأركان الخارجية (وتسمى العملية بالتفياش)، بعدها يجلسن طول اليوم لتكسير الأركان واستخراج نواته الداخلية.

تستخرج النساء من نواة الأركان زيتا خاصا بتجميل الشعر والجلد، ويشتغلن على تثمينه عبر إعداد صابون الأركان والشامبو ورغوة للاستحمام، كما يعطرن الصابون الأسود بالأركان ليصبح منتجا مغربيا يشهد إقبالا كبيرا.

جمال مستلب وجهد محتكر
يتوافر قطاع مستحضرات التجميل العضوية "البيو" بالمغرب على إمكانيات مهمة، ويشهد طلبا متزايدا، ويثير القطاع اهتمام الشركات التي تركز على صنع منتجات خاصة بالتجميل والعناية بالبشرة انطلاقا من مكونات طبيعية وعضوية، وهي المنتوجات التي يتم توظيفها في الفنادق والمنتجعات ومراكز العناية والاسترخاء.

وتلعب المرأة القروية دورا مهما في إنتاج مواد التجميل "بيو"، وتعاني الأمرين بين صعوبة ظروف التحصيل والإنتاج، والاحتكار وتعدد الوسطاء.

تشتكي الإدريسية ومثيلاتها من القرويات من ظلم الوسطاء واحتكارهم، وتقول في حديث للجزيرة نت "يوجد ابتزاز ولوبيات واستغلال، ورفع تسعير السوق وتنافسية غير شريفة". 

وبحرقة، تؤكد الإدريسية -التي انتظمت مع نحو 17 امرأة في تعاونية بهدف توحيد مصالحهن والدفاع عنها- أن انتشار الأمية بين النساء العاملات يزيد صعوبة ظروف تطورهن، مشيرة إلى سطحية التكوينات التي يستفدن منها، بالإضافة إلى غياب الصرامة في تنظيم وحماية التنمية المحلية.

تعمل الخالة فطوم والإدريسية وفاطمة في عطاء الأرض من ملح وورد وأركان، ويهبن ما أوتين من خبرة وقوة في ظل ظروف قاسية ووجود سماسرة يقتاتون على عرقهن، قبل أن يأخذن اليوم بزمام الأمور ويطورن إنتاجاتهن ويصنعن حولهن الجمال، فهل تفكر كل مستعملة لموادهن فيما يعانين من شقاء وإهمال؟ 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى