إحاطة المبعوث الأممي حول قضية الصحراء.. دعم ضمني للمبادرة المغربية
الدار/ خاص
في جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي عُقدت يوم 18 أكتوبر 2024، قدّم المبعوث الأممي الخاص للصحراء، ستافان دي ميستورا، إحاطة شاملة حول الوضع في المنطقة. يأتي هذا التقرير في ظل جهود دولية لتعزيز المسار السياسي بقيادة الأمم المتحدة. خلال هذه الجلسة، بدا أن المبادرة المغربية المتعلقة بالحكم الذاتي تكتسب زخمًا متزايدًا على الساحة الدولية، مدعومة بالتغيرات الجيوسياسية والمواقف المتطورة لعدد من القوى المؤثرة مثل الولايات المتحدة، فرنسا، وإسبانيا.
في إحاطته أمام مجلس الأمن، أشار دي ميستورا إلى أن الجمود السياسي الذي طال أمده يعيق أي تقدم ملموس نحو حل شامل للنزاع. وأكد أن هناك حاجة ماسة إلى مزيد من التعاون البناء من جميع الأطراف المعنية للتوصل إلى حل يحظى بقبول الجميع. ومع ذلك، أوضح أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي تمثل “أساسًا جديًا وذا مصداقية” للمفاوضات، وفقًا لما عبرت عنه العديد من الدول الأعضاء.
هذه الإشارة تُعد خطوة مهمة تدعم الموقف المغربي الذي لطالما ركز على الحل السلمي الذي يحافظ على السيادة الوطنية مع منح الإقليم حكمًا ذاتيًا موسعًا. من جهة أخرى، لم يُبدِ دي ميستورا أي ميل نحو دعم استفتاء الاستقلال الذي تدعو إليه جبهة البوليساريو منذ سنوات، مما يعزز القراءة بأن المقترح المغربي بات يحظى بتأييد ضمني متزايد.
تلعب الولايات المتحدة دورًا محوريًا في النزاع، حيث شهدت سياستها تطورًا ملحوظًا منذ إعلان الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب في ديسمبر 2020 اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس الحالي جو بايدن لم تُلغِ هذا القرار، فإنها استمرت في تبني مقاربة تركز على دعم المسار الأممي، مع التلميح إلى اعتبار مبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل واقعي ومنطقي.
في هذا السياق، ذكر دي ميستورا في إحاطته أن الدعم الأمريكي للمبادرة المغربية لا يزال قائمًا، وهو ما يعكس التحول في الموقف الأمريكي من النزاع. هذا الدعم الأميركي يضيف ضغطًا إضافيًا على البوليساريو ويؤكد تعزيز مكانة المغرب كفاعل رئيسي في أي حل مستقبلي.
من جانبها، أكدت فرنسا مرارًا أن المقترح المغربي للحكم الذاتي يشكل أساسًا جادًا وواقعيًا للتفاوض، مما يجعلها أحد أبرز الداعمين الدوليين للموقف المغربي. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يحرص على تعزيز العلاقات الثنائية مع المغرب، أوضح في عدة مناسبات أن بلاده تعتبر أن الحل السياسي المتوازن يجب أن يأخذ في الاعتبار السيادة المغربية على الصحراء.
أما إسبانيا، الجار الأوروبي الأقرب للقضية، فقد شهدت تحولات جذرية في سياستها تجاه النزاع. في مارس 2022، أعلن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أن حكومته تعتبر خطة الحكم الذاتي المغربية “الأساس الأكثر جدية وواقعية” لحل النزاع. هذا التحول في الموقف الإسباني، الذي كان في السابق يميل إلى دعم البوليساريو، يعدّ انعكاسًا للعلاقات الاقتصادية والسياسية المتنامية بين مدريد والرباط.
يبدو أن المبعوث الأممي، رغم التحديات الكبيرة التي يواجهها، يسعى إلى إعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات في ظل إطار جديد يُعطي الأولوية للتفاهمات العملية. ومن المتوقع أن تستمر الأمم المتحدة في تيسير الحوار بين المغرب والبوليساريو، مع إشراك الجزائر وموريتانيا كطرفين ملاحظين في المفاوضات، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة.
ومع ذلك، تظل العوائق أمام هذا الحل كثيرة، منها استمرار تعنت البوليساريو ودعم بعض الأطراف الدولية التي لا تزال ترى في خيار الاستفتاء حلاً ممكنًا. لكن التحولات الدولية والتأييد المتزايد للموقف المغربي يعزز احتمالات التوصل إلى حل سياسي تحت مظلة الأمم المتحدة يعتمد على الحكم الذاتي.
إن إحاطة المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن تؤكد أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي لا تزال تكتسب أرضية دولية جديدة، مدفوعة بالدعم الأميركي والأوروبي، وبالتحديد من فرنسا وإسبانيا. بينما تبقى الطريق إلى الحل النهائي طويلة ومعقدة، تبدو الأطروحة المغربية اليوم أكثر واقعية وجدية من أي وقت مضى.