الدار/ تحليل
في خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، وضع الملك محمد السادس الإصبع على الداء، وأكد أن الوقت قد حان كي تتحمل الأمم المتحدة مسؤولياتها لتوضح للعالم الفرق بين العالم الحقيقي والأوهام الانفصالية التي لا وجود لها إلا في أذهان البعض. التركيز الملكي على مسألة استغلال قضية الصحراء للحصول على منفذ إلى المحيط الأطلسي أو التغطية على المشاكل الداخلية إشارة قوية إلى أن الجزائر يجب أن تتوقف عن ممارساتها الاستغلالية لهذا الملف، بدعاوى باطلة، بينما تكمن غايتها الحقيقية في تحقيق مكاسب سياسية وجيواستراتيجية لا علاقة لها بمصلحة المنطقة واستقرارها.
يمكن أن نقول إن هذا الخطاب الملكي يعد الأقوى لهجةً في السنوات القليلة الماضية، بعد خطابات عديدة أكد فيها جلالته أهمية الروابط المغربية الجزائرية وضرورة الحفاظ عليها وتمتينها. لقد كان جلالته يلح باستمرار على سياسة اليد الممدودة تّجاه الجزائر، وهي بالمناسبة سياسة تعد من ثوابت العلاقات الخارجية لبلادنا، نظرا إلى العلاقات التاريخية والإنسانية والقومية، لكن هذا الواقع لا يمنع من ضرورة توضيح حقيقة النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، وإبراز الدوافع الحقيقية للنظام الجزائري الذي لا يزال يحلم بمنفذ أطلسي. هذا ما تؤكده مثلاً المساعي الدبلوماسية البائسة التي بذلها هذا النظام مؤخرا لدى موريتانيا من أجل دعوتها إلى فسح المجال أمام عناصر البوليساريو من أجل العودة إلى المناطق المحاذية للكركرات، والوصول إلى سواحل الصحراء، وإعادة خلق واقع التوتر في المنطقة.
أما الحديث عن استغلال القضية الوطنية للتغطية على المشاكل الداخلية فيضع النظام الجزائري أمام مسؤولياته وحقيقة مساعيه. لقد ادعى هذا النظام باستمرار أنه طرف محايد، وأن القضية شأن صحراوي، لكنه في الوقت نفسه لم يستطع الخروج من فخ التناقض، بعد أن تحولت قضية الصحراء المغربية إلى أولوية من الأولويات الأساسية في الساحة الجزائرية. بل أصبحت تتحكم في السياسات الخارجية والدفاعية للبلاد، بل تؤثر تأثيرا مباشرا في إدارة شؤونها الداخلية. الجزائر غارقة في المعضلات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وما تنفقه على زرع فتنة الانفصال في الصحراء يكاد يضاهي ما تنفقه على صحة الجزائريين وتعليمهم ورفاهيتهم. ومن ثمّ فإن هذا الملف أصبح ورقة يوظفها هذا النظام للتهرب من مواجهة الأزمات الحقيقية للبلاد، باختلاق عدو وهمي هو المغرب، والاستمرار في السيطرة على الأوضاع الداخلية بمنطق الترهيب والتخويف.
لكن الرسالة ليست موجهة للنظام الجزائري أو الجزائريين فحسب، بل هي إشارة صريحة لهيئة الأمم المتحدة التي يجب أن تتخذ قرارات حاسمة لإنهاء نزاع تعلم جيدا أنه مفتعل. ومن المؤكد أن المبعوث الشخصي للأمين العام ستيفان دي ميستورا هو أول من يجب أن يستوعب هذه الرسالة، ويعمل على أخذها بعين الاعتبار في تقاريره ووثائقه. فكرة الاستفتاء كما قال جلالة الملك جزء من أوهام الماضي وأطروحة تجاوزها الزمن. وموظفو وأطر الأمم المتحدة أول من يعلم أنه مجرد مؤامرة وجدت في لحظة الصراع الدولي بين الشرق والغرب بعض الرعاة الذين يتحملون مسؤولية تاريخية مثل ليبيا القذافي، وجزائر بومدين. وهذا يعني أن لغة الادعاءات المتعلقة “بتقرير المصير واستقلال الشعوب” مجرد أيديولوجيا انتهى مفعولها منذ زمن طويل.
يمكن أن نؤكد إذاً أن خطاب الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء يشكل مرحلة جديدة في مسار الفعل الدبلوماسي لبلادنا. لم يعد هناك مجال لإخفاء الحقائق أو الحرص على مراعاة الأعراف في مواجهة نظام يصر على تقسيم بلادنا لغايات توسعية وسياسية. من المهم أن يواصل المغرب الحفاظ على الباب مواربا ومفتوحا تّجاه أي مبادرة سلمية لتطبيع العلاقات وعودة الدفء، لكن مصارحة الجزائريين بحقيقة أهدافهم الخبيثة مهمة أيضا، بل تعدّ علامة على اليقظة والتأهب الكامل لحماية حوزة الوطن وصد المؤامرات التي تحاك ضده. ستظل يد المغرب ممدودة دائما نحو السلم والوئام، لكنها ستظل مستعدة في كل وقت وحين للضرب بقوة على خصوم الوحدة الترابية.