تجييش البرلمان في الجزائر ضد صنصال يؤكد أن النظام الجزائري نمر من ورق
الدار/ تحليل
يواصل النظام الجزائري ممارسة جنونه الاستبدادي ضد كلّ من يصدح بكلمة الحق أو يكشف عورته التاريخية والسياسية. وفي هذا السياق لم يتردد نظام الكابرانات في تجييش البرلمانيين الجزائريين وحشدهم ضد الكاتب الجزائري بوعلام صنصال الذي يقبع في السجن. وبدلا من أن يصطف النواب الجزائريون إلى جانب صوت حقوق الإنسان وقضية حرية التعبير التي يجسدها هذا المثقف، وصف عضو مجلس الأمة الجزائري حمة شوشان، الكاتب بوعلام صنصال بـ “الخائن الكبير لبلده وشعبه”، متهماً إياه بعدم الولاء للجزائر، رغم المناصب التي تقلدها سابقاً، ومنها منصب مدير في وزارة الصناعة. وأضاف شوشان أن “الجزائريين الأحرار لا يخونون وطنهم، وصنصال اختار طريق الخيانة بدعم من جهات حاقدة على الجزائر”، مشيرا إلى حصوله لاحقاً على الجنسية الفرنسية.
لم يرِد هذا التصريح بصفة فردية بل جاء في بيان رسمي أصدره نواب البرلمان الجزائري بغرفتيه ردا على موقف البرلمان الأوروبي، الذي دعا إلى الإفراج الفوري عن الكاتب الجزائري، وتمتيعه بحريته وحقه في التعبير عن رأيه. البرلمان الذي يعمل تحت إمرة النظام العسكري كان أكثر تشددا من العسكر أنفسهم وهو يؤكد ضرورة “الدعم المطلق لقرارات الدولة الجزائرية السيادية في كافة المجالات، لا سيما تلك المتعلقة بحماية أمنها القومي واستقرارها”. وبينما تجاهل النواب مطالب الهيئات الحقوقية الجزائرية في الداخل والخارج، المطالبة بالإفراج عن الرجل الذي بلغ من العمر عتياً، فضّل الاصطفاف إلى جانب القرار السياسي، ولم يستطع التعبير عن مواقف حساسيات المجتمع الجزائري المتنوعة التي عبر الكثير منها عن رفضه لما يتعرّض إليه بوعلام صنصال، وغيره من الأصوات الحرة.
من المفترض أن يمثل البرلمان في أيّ بلد ديمقراطي رمانة الميزان، التي تحقق نوعا من التوازن مع السلطة التنفيذية ومراكز القرار، لكن من الواضح أن البرلمان الجزائري المعبّأ بنواب المخابرات والعسكر وبقايا قدماء جبهة التحرير الوطني، أضحى هو أيضا إلى جانب الرئيس نفسه، دمية أخرى في يد النظام العسكري. من حق الجزائريين طبعا أن يصطفوا للدفاع عن وحدتهم واستقرارهم، لكن دور البرلمان لا يقتصر على مجرد التصفيق للقرارات الأمنية والعسكرية، بل عليه أيضا أن يفتح المجال أمام النقاش العمومي حول القضايا الجوهرية التي تهمّ المواطنين. كيف يُعقل أن يزكّي برلماني منتخب ديمقراطيا عملية اعتقال مثقف من حجم بوعلام صنصال بمجرد الوصول إلى مطار بلاده بسبب تصريحات أدلى بها خارج الجزائر؟
البرلماني الوحيد الذي يدافع عن مثل هذه الجرائم هو الذي ينوب في البرلمان عن الجيش أو المخابرات، ويمثل صوتها المعلن والرسمي. ما صرّح به بوعلام صنصال هو جزء لا يتجزأ من الحقيقة التاريخية، وهو يتحدث عن جريمة استعمارية وقعت قبل عقود طويلة من الزمن، والنقاش حول هذا التصريح يجب أن يظل في سياقه الثقافي والعلمي والتأريخي، لكن ردّ الفعل الذي أظهره النظام الجزائري هو الذي أعطى لهذه التصريحات في الحقيقة بعداً زاد من أهميتها وراهنيتها. لو كان هذا النظام تجاهل التفاعل مع ما أدلى به صنصال بطريقة انفعالية ومتسرعة، لما حظيت بهذه الأضواء التي تسلّطت عليها الآن بعد لجوء هذا النظام إلى الحلّ القمعي. لقد كان أولى بنواب البرلمان الجزائري أن ينقلوا إلى الحكومة الجزائرية مشاعر القلق وانشغال الجمعيات والمنظمات الحقوقية بمصير المثقف الجزائري ووضعه الصحي، وتضرّر سمعة البلاد التي تجيّش اليوم دون توقف كل ما تملك من قوة ومؤسسات وأفراد وإمكانات ضد رجل واحد.
وما يعكسه ردّ الفعل الجنوني هذا هو أن نظام الكابرانات أكد مرة أخرى أنه نمِر من ورق. لماذا اضطربت أركان هذا النظام بسبب تصريح واحد في مجلة فرنسية غير معروفة؟ هذا التأثّر الشديد بما صرّح به مثقف من المثقفين يُظهر مدى هشاشة هذه البنية السياسية التي يرتكز عليها النظام الجزائري. وهو أمر نلاحظه أيضا في العديد من الأنظمة الاستبدادية المماثلة على غرار النظام الإيراني أو السوري، حيث تصبح تصريحات المعارضين أو المخالفين ذات وقع كبير كأنها رصاص حيّ يوجَّه إلى أركان الدولة. تجييش البرلمانيين ضد كاتب ومثقف وصمة عار أخرى في جبين هذا النظام العسكري المضطرب الذي يعتقد أن أساليب البروباغندا والتشويه والتخوين ما تزال وسائل ناجعة لقمع الأصوات الحرة.