من نيامي إلى لوساكا.. المغرب يعمّق امتداده الإفريقي بالتنمية والتعاون
الدار/ تحليل
افتتاح محطة محمد السادس لإنتاج الكهرباء في عاصمة النيجر نيامي، وتنظيم اجتماع اللجنة المشتركة بين المغرب وزامبيا في مدينة العيون جوهرة الأقاليم الجنوبية، حدثان من الأحداث التي تؤكد الارتباط العضوي بين المغرب وعمقه الإفريقي. إنهما يمثلان تجسيدا عمليا للرؤية الإفريقية لجلالة الملك محمد السادس الذي راهن منذ جلوسه على عرش أسلافه على تنمية الصلات التاريخية والروحية والتجارية القديمة بين بلادنا وامتدادها القديم في غرب إفريقيا. لا يتعلق الأمر هنا برؤية مبنية على شعارات واهية وفارغة على غرار ما يفعله بعض سكان العالم الآخر، بل باستراتيجية مؤسَّسة على مشاريع وتصورات وبرامج واضحة أضحت اليوم تؤْتي أكلها.
انعقاد اللجنة المغربية الزامبية المشتركة في العيون ليس استعراضا للقوة بل هو دليل على نجاح الدبلوماسية المغربية في بناء علاقات تحترم السيادة المغربية، على غرار ما فعلت لوساكا التي كانت من بين أولى الدول التي افتتحت قنصلية لها بمدينة العيون. وغير بعيد عن مقر هذه القنصلية ينعقد اجتماع اللجنة المغربية الزامبية لتدارس مختلف أوجه التعاون بين البلدين، وهي أيضا ليست مجرد مذكرات شفوية بل يتعلق الأمر بالكثير من المخططات العملية لتعزيز العلاقات بين البلدين، بدء بمطابقة التشريعات وتوقيع اتفاقيات للتعاون وصل عددها إلى 19 اتفاقية. وتوّجت بالتحضير لعقد منتدى اقتصادي مغربي زامبي كبير، لمشاركة القطاع الخاص ولا سيّما فيما يتعلق بتعزيز الأمن الغذائي والأمن الصحي والسياحة والعمل من خلاله على إحداث آليات جديدة ومعمقة للتعاون بين البلدين.
هذا التعاون جنوب-جنوب الذي آمن به المغرب منذ حوالي ربع قرن في إدارة علاقاته مع الدول الإفريقية، هو الذي أثمر افتتاح محطة كهرباء نيامي حيث يجسد المغرب حرصه على استفادة سكان العاصمة من خدمات الكهرباء في هذا البلد الذي يتلمّس طريقه نحو الاستقرار والتنمية. وهذا هو نهج المغرب المستمر في مختلف الدول الإفريقية، الحرص على تعزيز فرص التعاون والتنمية بدلا من الاستثمار في الخلافات والفتن الإقليمية والانفصالية على غرار ما عاشته النيجر ومالي في الآونة الأخيرة بسبب تدخلات العالم الآخر. وهذا التصور البنّاء للعلاقات المغربية الإفريقية هو نفسه الذي يحكم الكثير من المقترحات والمبادرات التي تقدمها بلادنا اليوم لجيرانها في القارة السمراء.
لدينا اليوم مشروعان من أضخم المشاريع التي يمكن أن تستفيد منها الدول الإفريقية وهما مبادراتان مغربيتان خالصتان: المشروع الأول يتعلق بأنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، والذي سيربط بين 13 بلدا، وستعمّ انعكاساته الاقتصادية الإيجابية مختلف دول الساحل الأطلسي الممتد من لاغوس إلى الرباط. تنطوي هذه المبادرة أساسا على مراعاة احتياجات دول غرب إفريقيا في مجال الطاقة، وضرورة استفادتها أولا قبل أن يصل الغاز إلى أوربا عبر المغرب. في المقابل يقترح البعض مشروعا بديلا يحرص من خلاله على مصالح المستهلك الأوربي لأنه يراه أقصر مسافة وأقلّ كلفة بالنسبة للأوربيين. وهذا هو الفرق بين من ينظر إلى إفريقيا باعتبارها جزء من كيانه التاريخي والجغرافي والحضاري، وبين من ينظر إليها باعتبارها ضيعة تابعة للمستعمر الأوربي.
وإلى جانب هذا المشروع، يقترح المغرب أيضا مبادرة ربط دول الساحل الإفريقي بالمحيط الأطلسي. هناك دول عديدة على غرار النيجر ومالي وبوركينافاسو تعيش في عزلة كاملة بسبب عدم توفرها على منفذ بحري. ومن شأن هذه المبادرة أن تساعد هذه الدول على تعزيز ارتباطها بشبكة التوريد العالمية عبر ميناء الداخلة الأطلسي الذي يستعد ليتربع على عرش الموانئ الإفريقية بعد النمو الهائل الذي حقّقه ميناء طنجة المتوسط. وهذا المشروع على وجه التحديد يؤكد أن المغرب يضع باستمرار نصب عينيه ضرورة ربطه تنميته المحلية بتنمية جواره الإفريقي.