حملة اعتقال نشطاء “مانيش راضي” تؤكد رعب الكابرانات من التغيير
الدار/تحليل
الجواب الوحيد الذي أعدّه الكابرانات لمواجهة الموجة الاحتجاجية المتنامية في صفوف المواطنين الجزائريين يرتكز على إجرائين رجعيين مألوفين: اتهام المغرب والأجندات الخارجية بالتآمر، ثم إطلاق حملة اعتقالات واسعة لتوقيف كل النشطاء الذين عبروا عن مشاركتهم في دعم هاشتاغ #مانيش راضي. ليس هناك لا ردّ سياسي ولا جواب اجتماعي أو دستوري يحترم عقول الجزائريين وإراداتهم وحرياتهم الفردية، في التعبير عن مطالبهم وانزعاجهم مما يحدث في البلاد. الحملة التي أطلقها النشطاء الجزائريون لم تكن إعلانا للتمرد أو الفوضى بقدر ما كانت رسالة للتعبير عن مدى اليأس من إمكانية إصلاح البلاد الغارقة في أوحال التخلف والبيروقراطية والفساد والاستبداد.
واللجوء إلى نظرية المؤامرة لاتهام هؤلاء النشطاء سلوك سياسي منحرف وقديم يمارسه النظام الجزائري منذ عقود طويلة من الزمن. منذ أن قرّر هواري بومدين معاداة المغرب، والمشاركة في محاولة تقسيمه وتهديد استقراره، ومأسسة الانفصال من خلال دعم جبهة البوليساريو بالتعاون مع ليبيا. منذ ذلك الحين لم تتوقف الماكينة المخابراتية والإعلامية الجزائرية عن نسْب كل ما يحدث من أزمات داخلية، وتصديرها إلى الجوار، تارة إلى أوربا وتارة إلى تونس وليبيا، وفي معظم الحالات إلى المغرب. وقد تحوّل تصدير الأزمة إلى نهج استراتيجي لهذا النظام بمرور الوقت، ولم يعد قادرا على التخلص منه أو استبداله بمنطق أكثر واقعية يركز على معالجة المشكلات الداخلية انطلاقا من الواقع الجزائري المحض.
ما يطالب به شباب حملة مانيش راضي يتعلق ببعض الحقوق الأصلية البسيطة. أليس من حق المواطن الجزائري اليوم أن يتخلص من معضلة الطوابير التي يقف فيها يوميا للحصول على مواد غذائية وتموينية بسيطة يحصل عليها غيره في كل بلدان الجوار بزيارة أقرب متجر أو دكان؟ من المرجح أن يتخلص الشعب السوري بعد ثورته الأخيرة من معضلة الطوابير التي يعانيها هو أيضا منذ أكثر من 13 عاما بسبب الحرب والانقسام، ويظل المواطن الجزائري الذي يعيش في بلد “آمن” وموحّد وبعيدا عن أيّ صراعات أو اقتتال، غارقا في هذه المعضلة للحصول على الحليب أو السميد أو بعض القطاني.
مطالب حملة مانيش راضي تُسائل السلطات الجزائرية عن مصير الموارد والمقدّرات التي تمتلكها البلاد. عن مداخيل تصدير النفط والغاز التي تصل إلى مليارات الدولارات سنويا، لكنها لا تنعكس بتاتا على الواقع الاقتصادي للبلاد، ولا على مستوى الخدمات الاجتماعية المقدّمة للمواطن الجزائري. على سبيل المثال كلما نشر موقع الرئاسة الجزائرية خبرا أو منشورا أو صورة لتغطية أنشطة الرئيس في مواقع التواصل الاجتماعي، يهبّ العشرات بل المئات من المطالبين بالحقوق الفئوية إلى التعليق على هذه المنشورات، وعرض مظالمهم، ومنهم مثلا فئة عريضة من الأساتذة المتعاقدين الذين لا يزالون يطالبون بترسيم أوضاعهم والاعتراف بحقوقهم من الحكومة الجزائرية. من حقّ هؤلاء أيضا أن يقولوا بصوت مرتفع: “مانيش راضي”.
مانيش راضي شعار يلخص إلى حد كبير المطالب الحقوقية والسياسية للمواطنين الجزائريين، الذين ملّوا من سيطرة عصابة عسكرية سخّرت كل ثروات الجزائريين لافتعال أزمات إقليمية على غرار ما يفعله النظام الإيراني. فهذا النظام سخّر هو أيضا ثروات الإيرانيين لخلق أذرع عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، واختلاق صراعات لا تنتهي. ما الذي كسبته الجزائر اليوم بعد أن أنفقت مليارات المليارات من الدولارات على تسليح جبهة البوليساريو وشراء الاعترافات وتنظيم الحملات الدبلوماسية؟ ما جنته من ذلك، هو نفسه ما جنته إيران من دعمها لنظام بشار الأسد بالميليشيات الطائفية التي انسحبت هاربة بعد تقدم الثوار السوريين. لم تجن غير الهزيمة والاندحار والعار، وعداء الشعوب التواقة إلى التحرر والانعتاق. الردّ على مطالب النشطاء الجزائريين بحملة اعتقالات واسعة تأكيد جديد للرعب الذي يعيشه هذا النمر الورقي بعد انهيار نظام بشار الأسد.