العفو الرئاسي الجزائري.. استثناء بوعلام صنصال والنشطاء السياسيين القبائليين
الدار/ خاص
في 26 ديسمبر 2024، أعلنت السلطات الجزائرية عن عفو رئاسي شمل 2,471 سجينًا سياسيًا، لكن هذا العفو جاء محاطًا بالاستثناءات المثيرة للجدل. فقد تم استبعاد شخصيات بارزة مثل الكاتب بوعلام صنصال، إضافة إلى النشطاء السياسيين القبائليين، وهو ما يطرح تساؤلات كبيرة حول خلفيات هذا القرار ومراميه السياسية.
بوعلام صنصال، الكاتب والناشط الذي يعرف بانتقاداته اللاذعة للأنظمة السياسية في الجزائر، تم استبعاده من هذا العفو.
صنصال تعرض للعديد من المضايقات من النظام بسبب مواقفه المناهضة لسياسات السلطة، يظهر اليوم كرمز لمعارضة الفكر النظام الحاكم، ويبدو أن استبعاده من العفو هو رسالة واضحة من السلطات الجزائرية لكل من يسعى لتحدي السلطة السياسية القائمة.
أما بالنسبة للنشطاء السياسيين القبائليين، فقد جاء استبعادهم من العفو بسبب “الخوف من الاعتراف بحركة تقرير مصير منطقة القبائل (MAK)” كممثل شرعي للشعب القبائلي. هذا الاستبعاد يعد بمثابة نفي لوجود قضية حقيقية للشعب القبائلي، الذي يطالب منذ سنوات طويلة بالاستقلالية أو على الأقل بالحكم الذاتي داخل الجزائر. حركة “ماك” التي يقودها فرحات مهني، تواصل مناهضتها القوية للسلطة المركزية في الجزائر، وهي تمثل الصوت السياسي الذي ينادي بحقوق الشعب القبائلي.
الموقف الرسمي للنظام الجزائري يعكس سياسة التهميش التي يتبعها تجاه منطقة القبائل. فبدلاً من محاولة إيجاد حل سياسي يعترف بمطالب القبائل، تفضل السلطات فرض سياسة القمع والإقصاء، وهو ما يزيد من تعميق الهوة بين الشعب القبائلي والنظام الحاكم.
في ظل هذه الاستثناءات، يعكس تصرف الجنرالات الجزائريين حالة من العناد السياسي الذي قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الداخلية في الجزائر. إصرارهم على رفض أي حل سياسي يضمن للقبائل حقوقها ويعترف بحركتها السياسية يظهّرهم كقادة غير قادرين على التعامل مع التحديات التي يواجهها البلد. فبدلاً من السعي نحو الحوار والتفاهم، يواصل النظام الجزائري استخدام الأساليب القمعية التي تسببت في الكثير من الاحتقانات الاجتماعية والسياسية في البلاد.
هذا النهج يشير إلى أن الجزائر لن تتمكن من تحقيق الاستقرار إلا إذا تم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تأخذ بعين الاعتبار حقوق جميع المكونات الثقافية والإثنية في البلاد. في هذا السياق، تصبح قضية منطقة القبائل أكثر من مجرد مسألة حقوقية، بل هي قضية وجودية بالنسبة للنظام السياسي الجزائري.
من جانب حركة تقرير مصير منطقة القبائل (MAK)، يُؤكد فرحات مهني، رئيس الحركة والحكومة المؤقتة للقبائل (ANAVAD)، على أن السجناء السياسيين لا يجب أن يكونوا أداة للمساومة أو التبادل. بالنسبة للـ MAK، يجب أن يُعامل السجناء السياسيون باعتبارهم ضحايا لانتهاكات حقوق الإنسان، ولا يجب أن يكونوا جزءًا من أي صفقات سياسية تهدف إلى إضعاف حقوق الشعب القبائلي في تقرير مصيره.
إن القضية الأساسية التي تطرحها حركة MAK هي أن الجزائر لن تعرف الاستقرار الحقيقي إلا عندما تتناغم السياسات الداخلية مع واقع التنوع الإثني واللغوي في البلاد، وأن هذا الاستقرار لن يتحقق إلا عندما تُمنح منطقة القبائل حقها في تقرير مصيرها.
يبقى المطلب الأهم هو تحقيق الحرية لجميع السجناء السياسيين الذين يعانون من القمع بسبب آراءهم ونضالهم من أجل حقوقهم. إن الجزائر بحاجة إلى تغيير جذري في كيفية تعاطيها مع حقوق الإنسان والحريات السياسية. من دون هذا التغيير، فإن البلاد ستظل غارقة في صراعات داخلية قد تؤدي إلى مزيد من التقسيمات الاجتماعية والسياسية.
الحل في الجزائر يكمن في الاعتراف بحقوق جميع الأطياف الثقافية والإثنية في البلاد، وإعطاء مساحة للجميع للعيش بحرية وكرامة. وفي هذا السياق، يجب إلغاء المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، التي تُستخدم كأداة لقمع الحريات، والاعتراف بحق الشعب القبائلي في تقرير مصيره.