أخبار الدار

الإسلاميون في تونس والمغرب.. جاذبية السلطة وتآكل الشعبية

الدار

على مشارف اختبار انتخابي جديد تضع التطورات الداخلية حركة النهضة التونسية أمام تحديات التماسك والاستمرارية بعد أن قطع إخوان راشد الغنوشي خمس سنوات كاملة في دواليب السلطة والقرار السياسي التونسي. هذه السنوات الخمس كانت كفيلة بتمحيص الحلم الحركي الإسلامي بعد ارتطامه بحقيقة الفعل السياسي وإكراهات السلطة والحكم. وقد بدأت الحركة الإسلامية التونسية قبيل محطة الانتخابات المرتقبة بعد ثلاثة أشهر تعيش تبعات التجربة السياسية وتداعيات انهيار الكثير من الانتظارات والآفاق التي ساهم في صنعها سياق الربيع العربي.

وتبدو حركة النهضة التي برزت عقب ثورات الربيع العربي كنموذج للحزب الإسلامي الواقعي متقاطعة مع تجارب الكثير من الأحزاب الإسلامية الأخرى سواء في المغرب أو الجزائر أو مصر. لقد أثرت تجربة الحكم التي لا تزال متواصلة على رصيد حركة النهضة وأدت بإجماع كل المراقبين إلى تآكل شعبية الحزب وتراجعها كثيرا. هذا التراجع في الشعبية بدأت نتائجه تظهر على مستوى تماسك النسيج الداخلي للحزب الذي يعيش في الأيام الأخيرة على إيقاع خلافات عميقة وغير مسبوقة بين قياداته وأجنحته. ففي ظرف أقل من شهر واجه زعيم الحركة الشيخ راشد الغنوشي ثلاثة احتجاجات من أسماء كانت بالأمس القريب وازنة في تركيبة الحزب وفي استراتيجياته مثل مستشاره الخاص لطفي زيتون ووزير الصحة الأسبق عبد اللطيف المكي ونائبه محمد بن سالم.

هذه الخلافات بين رؤوس الحزب الإسلامي التونسي تأتي في سياق انتخابي صرف في إطار الاستعداد للانتخابات المقبلة المرتقب تنظيمها في 6 أكتوبر. فمن الواضح أن الكثير من قيادات الحزب الذي يهيمن على المشهد التونسي منذ بضعة سنوات استشعرت احتمالات الهزيمة المرتقبة وبدأت تمارس نوعا من الضغط والنقد الداخلي للتموقع على حساب القيادة الحالية التي أضحت تتوجس من منافسة أحزاب تونسية صاعدة. هذه الهزيمة الانتخابية المتوقعة تؤكدها بجلاء استطلاعات الرأي وتطورات التجارب التي خاضتها الأحزاب الإسلامية في كثير من الدول العربية ومن بينها المغرب.

فتجربة الإسلاميين في تونس والمغرب تخترقها الكثير من التقاطعات على رأسها حصيلة المشاركة السياسية الهادئة التي أفضت تدريجيا إلى تآكل الشعبية وانهيار النموذج المثالي أمام تحديات التدبير السياسي المطروحة في بلدان شمال إفريقيا بما تعانيه من إكراهات اقتصادية واجتماعية. فعلى مستوى المنجز المقنع للناخبين في تونس والرباط لم يعد يخفى على أحد أن المشاريع والبرامج التي بشرت بها الأحزاب السياسية الإسلامية لم تكن سوى وعود انتخابية خصوصا بعد تراجعها عن كثير من مبادئها وقيمها وأفكارها التي حققت بها انتصارات انتخابية قد تكون كاسحة في بداياتها.

حزب العدالة والتنمية قدم يوم الثلاثاء الماضي مثالا حيا عن حقيقة ارتطام الأحزاب الإسلامية بالسلطة والتدبير، عندما امتنع اثنا عشر من برلمانييه عن التصويت أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، على مشروع القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي. هذا القانون الذي عارضه الحزب الإسلامي لأشهر طويلة وعرقل عملية التوافق حوله يرسي نموذجا تعليميا مزدوج اللغة ويقر تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية وهو ما يتعارض تماما مع القناعات الإيديولوجية لحزب سعد الدين العثماني الذي يقدم نفسه كمحامي عن مقومات الهوية. وينضاف إلى اختبار التراجع عن الوعود والمبادئ أزمة تدبير القيادة التي أظهرت بعد إعفاء عبد الإله بنكيران أن الحزب يخترقه تياران ظهرت الكثير من خلافاتهما وصراعاتهما الداخلية في شكل تراشقات كلامية تظل باستمرار مرشحة لاحتمالات التفكك والانشقاق.

هذا الاحتمال نفسه يخترق حزب حركة النهضة التي أضحى أطرها موزعين بين راغب في الحكم ومدافع عن الخروج إلى صف المعارضة. وبين الخيارين تواجه الحركة تحدي الحفاظ على شعبيتها، فإخفاقات الحكومة منذ 2014 كلها تحمل عبئها الحزب، في حين يعتبر الخروج من السلطة أيضا مغامرة غير محمودة العواقب بالنسبة لوافد جديد على الحكم لم يستطع أن يترك تلك البصمة التي وعد بها الجماهير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

7 + عشرة =

زر الذهاب إلى الأعلى