الوجه المظلم لشاطئ بوزنيقة
الدار/ تحقيق: بوشعيب حمراوي
جرت عادة المعنيين بشاطئ بوزنيقة، منتخبين وسلطات وحاضنين، أن يعلنوا عن انطلاق عملية الاصطياف، بحضور تشكيلة من الحضور المنتقاة على هواهم. لتفادي أسئلة الإعلاميين المحرجة، والتي لا تكتفي بتثمين المكاسب، ولكنها تعرج إلى الحديث والاستفسار عن جوانب عدة تخص المصطافين من مختلف فئاتهم المجتمعية.
جميل أن تم تصنيف الشاطئ البوزنيقي على مدى عدة سنوات، من بين الشواطئ المغربية المميزة. والتي تنال طيلة عدة سنوات، شرف رفع اللواء الأزرق الدولي. لكن الأجمل أن يتم إنصاف كل المصطافين، بتهيئة الشاطئ، وإحداث كورنيش يليق بالشاطئ والمدينة. ووقف زحف التعمير واحتلالات الملك العمومي البحري.. والكف عن تدفق مياه الصرف الصحي إلى الشاطئ. وتأمين الحماية للمصطافين على مستوى مواقف السيارات، والولوجيات، والتخفيف من زحمة السير، التي تعكر أجواء العودة إلى المنازل.
إقبار تقرير فاضح للمجلس الأعلى للحسابات
لاشيء تغير بعد مرور سبع سنوات، على صدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012، الذي اعتبر أن شواطئ بوزنيقة والمنصورية، مثالا حيا لما يقع من احتلال واستغلال غير قانوني للملك العمومي البحري، وتلويث للشواطئ، موضحا أن عدة بنايات أنجزت خارج الضوابط القانونية. وأن بعض المستفيدين تحولوا إلى منعشين عقاريين، يشيدون المنازل والقصور ويبيعونها بأثمنة خيالية دون وجه حق. حقوقيون وإعلاميون دقوا ناقوس الخطر طيلة فترة صدور التقرير، انتهت بإحالة التقرير من طرف مصطفى الرميد وزير العدل والحريات السابق، على الوكيل العام باستنافية الدار البيضاء. إلا أن الملف ظل عالقا.
وقد أكد التقرير أن المستفيدين من الملك البحري يحتلون مساحات أكبر من تلك المرخصة لهم بأزيد من 128 مرة، وأعطى أمثلة ب33 بقعة أرضية بشواطئ الإقليم. كما أشار إلى أن بشاطئي الدهومي التابع لبلدية بوزنيقة والصنوبر (دافيد) التابع لبلدية المنصورية، أزيد من 1000 قطعة أرضية تقدر مساحتها الإجمالية ما يناهز 176130متر مربعة محتلة بدون سند قانوني من طرف خواص شيدوا عليها بنايات للسكن والتجارة. وأن شاطئ بوزنيقة الذي يوجد على مساحة 3031 متر مربع، حيث يتنافس الأثرياء والنافدين المدنيين والعسكريين. يعرف أكبر عملية احتلال واستغلال.علما أن مجموعة من المستفيدين من الاستغلال المؤقت للملك البحري لا يدفعون ما بذمتهم من إتاوات للوزارة الوصية ومصالحها الخارجية، وأن الوزارة لا تلجأ إلى سحب تلك الرخص منهم. حيث بلغ الباقي استخلاصه بمديرية التجهيز بابن سليمان ما قيمته 1018752.53 درهم. وأشار أن الشريط الساحلي لمدن بوزنيقة والمنصورية والمحمدية والدار البيضاء والقنيطرة والعرائش والناظور، يعرف أكبر نسبة ترامي على الملك البحري تقدر ب 1158259 متر مربع ، وتمثل 29 في المائة من مجموع الأراضي الساحلية المترامى عليها. وهو ما يشكل خسارة مهمة لخزينة الدولة وتهديدا للملك البحري. كما أشار إلى أن مجموعة من المحافظين العقاريين حفظوا أراضي مجاورة أو متداخلة مع الأرضي البحرية لخواص دون الأخذ بعين الاعتبار الحقوق المتعلقة بالملك. وأكد أن أزيد من 203 هكتار العقارات ب(ابن سليمان، آكادير، العرائش، طنجة) حفظت في اسم الخواص، وهي ملك عمومي تم الترامي عليها بغير وجه حق. كما أضاف أن أغلب الحاصلين على سندات الملكية أو مطالب التحفيظ رفضوا تسوية وضعيتهم اتجاه الملك. وكشف التقرير مجموعة من المشاريع العالقة شواطئ إقليم ابن سليمان، والتي استفاد أصحابها من بقع أرضية على أساس إنجاز تلك المشاريع، وأن الوزارة الوصية لم تتخذ في حقهم أي إجراء لحثهم على إنجازها أو سحب الترخيص منهم. ضمنها مشروع إنجاز (شاطئ اصطناعي) على مساحة 4000 متر مربع، رخص له بتاريخ14 مارس 2005 ولم ينجز. ومشروع مدرسة لرياضة التزلج على الأمواج بشاطئ بوزنيقة على مساحة 180 متر مربع، رخص له بتاريخ فاتح مارس 2001 ولم يرى النور. ومشروع محل للاصطياف بشاطئ بوزنيقة على مساحة 3860 متر مربع، رخص له بتاريخ26/06/1995 ولم ينجز.
إضافة إلى المشروع العالق الذي لم يشر إليه تقرير المجلس الأعلى للحسابات، ويتعلق الأمر بمركب تفريغ وبيع المنتوج السمكي بشاطئ بوزنيقة محمد العنصر شهر يناير من سنة 2006، حين كان وزيرا للفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري. و الذي شيد على مساحة إجمالية بلغت 5022 متر مربع بتكلفة حددت في 12 مليون درهم ممولة من طرف صندوق الحسن الثاني للتنمية. وأوضح التقرير أن رخص الاستغلال المؤقت للملك العمومي تسلم من طرف ولاة الجهات في حالة ما إذا كان طالب الاستفادة يسعى إلى إنجاز مشروع تفوق قيمته الإجمالية200 مليون درهم، وأن باقي رخص الاستغلال المؤقت تسلم من طرف المصالح المركزية بوزارة التجهيز والنقل. موضحا أن التقادم لا يمنح المستفيد حق التفويت. كما انتقد البنايات (المنازل الفخمة والقصور) المشيدة على طول شاطئ بوزنيقة، موضحا أن الاستغلال المؤقت للأرض، يفرض على المستفيد إنجاز مباني خفيفة قابلة لإزالتها في أية لحظة. منددا بالجهات التي رخصت لإنجاز تلك البنايات. وذكر التقرير بحدود الملك العمومي البحري، والتي تمتد إلى ستة أمتار بعد خط وصول أعلى مد بحري
تجاوزات البناء العشوائي لأثرياء الشواطئ تسجل ضد مجهول
وزراء وعمال وبرلمانيون وشخصيات رفيعة…قرروا إحداث قانون تعمير خاص بهم على طول شاطئ بوزنيقة. إلى درجة أن التقنيين ببلدية بوزنيقة يعاينون مخالفاتهم العمرانية، لكنها تسجل (ضد مجهول)، في الوقت الذي يتابع فيه المواطن العادي لمجرد بناء
غرفة في سطح منزله. حكايات أقرب إلى الخيال يعيشها المصطافون بأطول وأجود شاطئ بالمغرب. ممرات في اتجاه البحر، تم إغلاقها من طرف بعض هؤلاء، لتنجب الاحتكاك بالمواطنين الفقراء ومتوسطي الدخل الذين يلجون يوميا إلى البحر على متن سياراتهم المتواضعة أو دراجتهم النارية أو العادية، والذين يجدون أنفسهم مجبرين على تلقي النظرات القاسية والجارحة عند مرورهم بالقرب من منازل الأثرياء الفارهة.
كما يجد الصيادون بالصنارة والقصبة مشاكل مع هذه الفئة التي تمنعهم بكل الطرق المتاحة من المرور إلى بعض الأماكن العمومية، أو الصيد ليلا بشاطئ هو ملك لكل المغاربة. صمت مريب يعرفه القيمين على الشاطئ الجنوبي الممتد على طول 2.7 كلم انطلاقا من وادي بوزنيقة إلى وادي سيكوك، ويغطي مساحة خمسة عشر هكتارا.
الكيل بمكيالين مع محتلي الملك البحري
يتساءل ساكنة وأعضاء من بلدية بوزنيقة كيف أن الحكومة تكيل بمكيالين بخصوص محتلي الملك العمومي البحري، موضحين أن الحكومة التي ضربت بقوة على أيادي هذه الفئة بمدن آكادير وآسفي. لم تحرك ساكنا بخصوص البناء العشوائي لأثرياء المغرب ببوزنيقة، وطالبوا بمناظرة وطنية لإيجاد حلول حقيقية لتسوية ملفات البناء العشوائي وإصلاح مجال التعمير. موضحين أن قانون التعمير (12/90) أصبح متجاوزا، وأنه على الوزارة إحداث قانون تعمير جديد.
وسبق لنبيل بن عبد الله الذي كان حينها وزير السكنى والتعمير، أن قال من قلب المدينة، إنه لا يمكن السكوت على البناء العشوائي الذين ينجزه الأثرياء والنافذين في البلاد على طول شواطئ المملكة، وإنه يجب التصدي لهم في إطار القانون، سواء بالترخيص لهم أو منعهم من الاستمرار في احتلال الملك العمومي البحري دون وجه حق، وأضاف خلال ترؤسه الدورة العاشرة للمجلس الإداري للوكالة الحضرية لسطات، أنه لن يتهاون في الكشف عنهم علنا أمام وسائل الإعلام، رغم أن من بينهم أصدقائه ومعارفه. وتابع مازحا (هذاك ماشي كابا نو … هذاك كاب وي).
إلا أن ما وقع هو أن وزارة التجهيز ثمنت تجاوزات هؤلاء النافذين، وانكبت على ملف تسوية وضعيات (الكابنوات) العشوائية الخاصة بهم. والتي بعد أن تمكن أصحابها من فرض قوانينهم الخاصة في البناء والتوسع والتضييق على المصطافين، رغم أنهم ليسوا سوى محتلين مؤقتين للملك العمومي البحري الذي يمنع البناء فوقه. ورغم أنهم ليسوا مالكين لتلك الأراضي، وإنما مكترون لها بمدد متوسطة. فإنهم تمكنوا من التزود بالماء والكهرباء والبناء الاسمنتي لقصور بعضها يتم هدمه وإعادة بنائه على هوى زوجاتهم و (اوليدات الفشوش).
الأثرياء يغلقون الممرات الشاطئية
لا أحد انتبه إلى أن شواطئ بوزنيقة بدأت تحتكر من طرف أقليات نافذة ماليا وسياسيا، وأن تلك الشخصيات بدأت تتنافس من أجل (تقسيم الوزيعة) وإغلاق كل منافذ البحر التي تعتبر ضمن الملك العام البحري. أصبحت سنة بعد أخرى بعيدة المنال من طرف المصطافين أصحاب الأرض والزوار، بعد أن احتلت شواطئ صغيرة (خلف قرية الصيادين، وقبالة قصر أحد الخليجيين…)، وبعد أن بادر أصحاب القصور إلى توسيع قصورهم، وهدمها وبنائها سنويا إرضاء ل(أوليدات الفشوش وزوجاتهم) فوق أراضي تابعة للملك العام البحري، والتي حصل أصحابها على جزء منها من وزارة التجهيز مقابل سومات كرائية متوسطة أو طويلة الأمد، واحتلوا أجزاء أخرى دون وجه حق، لدرجة أن العشرات من الطرق والمسالك المؤدية إلى الشاطئ تم إغلاقها في وجه المصطافين. وبعد أن بدأ (أوليدات الفشوش) يرعبون المصطافين بدراجاتهم البحرية والبرية، ويخجلونهم بتصرفاتهم اللاأخلاقية من قبيل السكر وتناول المخدرات علنا فوق رمال الشاطئ ليلا ونهارا، وتبادل القبل والكلمات والحركات المستفزة جنسيا أمام أعين الأسر. وبعد أن عمد بعضهم إلى بناء ما يسمى ب(الشرطي النائم) أو (ظهور الحمير) للحد من سرعة السيارات أمام منازلهم.
فالأسر التي حلت وتحل خلال هذه الأيام بشاطئ بوزنيقة، أكدت أن مواقف السيارات بها غرباء يبتزونهم، ويطالبون بأثمنة خيالية مقابل ركن سياراتهم، وأن (الزناكة) الذي يفاوضونهم على بعض الأمكنة (حسب القرب أو البعد من الشاطئ أو من بعض الأماكن الخدماتية) والثمن المقابل لها، لا يقدمون أية تذاكر تؤكد قيمة المبلغ القانوني ولا الجهة التي تعود إليها تلك الأموال الطائلة، ويطالبون بمبالغ تصل خلال السبت والأحد إلى خمسين درهم للسيارة الواحدة، في الوقت الذي لا يتعدى فيه ثمن التذكرة الحقيقي هو خمسة دراهم نهارا.
كما أن الولوج أو الخروج من الشاطئ أصبح يمثل عائقا كبيرا أمام المصطافين بسبب ضيق المنافذ، وكثرة السيارات التي تصب ذروتها خلال يومي السبت والأحد، حيث تشل الطريق المؤدية إلى الطريق الشاطئية (البيضاء/الرباط)، ويضطر السائقون إلى الوقوف طوابير على مسافات طويلة ولمدة تفوق الساعة في انتظار الإفراج عنهم. في الوقت الذي يسلك البعض الآخر طرقهم الخاصة في المرور بعيدا عن كل قوانين السير.
مجرى الوادي الحار يصب في شاطئ الفقراء
من غرائب ما يعيشه المصطافين الفقراء، أن المنطقة الشاطئية التي اعتادوا تسميتها بالمسبح (لابيسين)، نظرا لضعف الأمواج بها وقلة عمق البحر. هي المنطقة التي تصب فيها المياه العادمة لمدينة بوزنيقة. علما أن تلك المنطقة هي قبلة للأسر التي تخاف على أطفالها من الغرق. فقد عاين موقع الدار مجرى وادي سيكوك الذي يجري وسط المخيم، ويصب مياه الوادي الحار في قلب الشاطئ بجهة الجنوب. وهو ما يلوث مياه الشاطئ، ويعرض صحة وسلامة المصطافين وخصوصا فئة الأطفال للأمراض. ورغم ما أنجز حاليا من جدار واقي ومسالك للعبور فوقه ، فإن الروائح الكريهة تزكم الأنوف على طول الوادي، ومصبه داخل البحر، يفرز عدة أنواع من الجراثيم، تضر بالسباحين، وخصوصا الأطفال الذين يسبحون في المياه الدافئة الخارجية للبحر.
كما أن المنازل الفخمة بقرية الصيادين بشمال الشاطئ، اكتفت لوحدها بتلويث المنطقة، حيث تصب مياهها العادمة المتعفنة في قلب البحر خلف القرية. علما أن هذه القرية الراقية ضلت لعدة سنوات موضع نزاع بين وزارة التجهيز ومديريتها بابن سليمان من جهة، وبين أصحاب المشروع من جهة ثانية، بسبب احتلال الملك العمومي البحري. هذه الحرب التي انتهت لصالح المحتلين للأرض، علما أن بعض المنازل تجاوزت حد الخطورة في البناء، وأصبحت أجزاء منها فوق أراضي تتدفق مياه البحر إلى باطنها، وتجرف تربتها يوميا.
إلى متى يستمر العبث بشاطئ بوزنيقة؟
سؤال طرحته فعاليات المجتمع المدني بمدينة بوزنيقة والإقليم ، على كل المعنيين بعمران ونظافة وبيئة المدينة. فمياه الوادي الحار تحاصره من جهتي الجنوب (وادي سيكوك) والشمال (قرية الصيادين). وظلم الأثرياء المحتلين لأراضيه، يضاف إليها عبث المستفيدين من أماكن وقوف السيارات والذين حولوا حتى أماكن منع الوقوف إلى محطات للوقوف بالمقابل المادي.
ويعد شاطئ بوزنيقة من أجمل الشواطئ المغربية من حيث جودة مياهه و صفاء رماله الذهبية وشساعة فضائه، إذ يبلغ طوله 2.7 كلم انطلاقا من وادي بوزنيقة إلى وادي سيكوك، ويغطي مساحة خمسة عشر هكتارا، ويبعد الشاطئ بحوالي ثلاث كيلومترات عن مدينة بوزنيقة. فيما يوجد بجانبه المشروع السياحي (بوزنيقة باي)، والمخيم الدولي مولاي رشيد التابع لكتابة الدولة المكلفة بالشباب، والمجهز بكل مستلزمات العصر، وترتكز أنشطته على استقبال الجمعيات والمنتديات الوطنية والدولية،إضافة إلى احتضانه لمؤتمرات وطنية و دولية، كما تحده من جهة اليمين قرية الصيادين السياحية التي أنجزت فوق منطقة تعتبر شبه جزيرة، وأخذت طابع القصبة بمفهومها التقليدي وإبداعاتها العصرية، مما زاد من رونقها. لكنها تبقى بناية عشوائية فوق أراضي محتلة.
وإن لم تتمكن الدولة من استرجاعها، فإن الطبيعة قد تتكفل بها مستقبلا لأنها أراضي تابعة للملك العمومي البحري، التي صنفها الخبراء ضمن الأراضي (الأحواض) التي قد يحاول البحر الاسترخاء بها في حال ما إذا ثارت مياهه الزرقاء.