أخبار الدار

خرجات بنكيران..لعبة سياسية لإنقاذ شعبية الحزب

الدار/ رشيد عفيف

من الواضح أن عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة وأمين عام حزب العدالة والتنمية السابق لم يغادر بعد موقعه كزعيم للحزب الإسلامي وكمنقذ مستقبلي مفترض يمكن أن يعود من جديد للعب دور سياسي عندما تشتد محنة إخوانه ويتعثرون أمام عقبات المعارك الانتخابية المقبلة. يمكن تسمية المرحلة الحالية التي يعيشها الحزب منذ إعفاء بنكيران وتولي خلفه سعد الدين العثماني بمرحلة "الانحناء أمام العاصفة". فكل ما يظهر للعلن على أنه صراعات داخلية يعيشها الحزب بين الحمائم والصقور هو مجرد مسرحية للاستهلاك الداخلي والتمويه على عمق اللعبة السياسية التي يلعبها قياديو حزب العدالة والتنمية بإتقان. لا وجود لخلافات فكرية أو ثقافية أو سياسية حول قضايا المجتمع مثلما ظهر للعيان في قضية التصويت على القانون الخاص بإصلاح المنظومة التربوية.

لقد سبق لعبد الإله بنكيران خلال توليه رئاسة الحكومة أن صادق على قوانين وتشريعات تتعارض تماما مع مرجعية الحزب وتوجهاته وكان من أهم هذه القوانين المصادقة على اتفاقية "سيداو" الخاصة بالحد من كل أشكال التمييز ضد المرأة. كان رئيس الحزب عبد الإله بنكيران وراء إقناع بل فرض موافقة برلمانيي الحزب على هذه الاتفاقية التي سبق أعلنوا معارضتهم للكثير من بنودها. لعبة المبادئ إذا لا مصداقية لها في خرجة بنكيران الأخيرة التي حاول من خلالها الظهور بمظهر محامي الشعب والمدافع عن هويته وقيمه اللغوية والثقافية. ومثلما برر بنكيران لإخوانه المصادقة على اتفاقية سيداو بأنه لا يمكنه أن يعارض الإرادة الملكية، فإن من السهل على سعد الدين العثماني أن يقدم المبرر نفسه لتفسير ما جرى خلال التصويت على القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.

لقد بدأت معالم الدور الذي يقوم به عبد الإله بنكيران منذ إحالته على التقاعد بصفة مؤقتة فالأمر ينطوي في الحقيقة على توزيع أدوار واضح بين مختلف قيادات ونخب الحزب. هناك وعي متنامي بين هؤلاء القياديين على أن الحزب دخل مرحلة السقوط الحر منذ فترة وأن استسلامه بسهولة أمام المعارك الاجتماعية والاقتصادية بالخصوص نال كثيرا من سمعته وشعبيته. وهذا يعني أن مخاطر الاندحار في الانتخابات التشريعية المرتقبة في 2021 أو على الأقل التقهقر قليلا مسألة أضحت من المسلمات. ولمواجهة نتائج هذه المرحلة الحساسة في تاريخ الحزب فمن المفيد خلق نوع من الشعور لدى الرأي العام وحتى لدى المنافسين والسلطة بوجود حزبين داخل حزب العدالة والتنمية لا يتفقان على كل القضايا والإصلاحات والتشريعات خصوصا تلك التي تدخل في خانة الإصلاحات "اللاشعبية".

هذا النوع من الإصلاحات بالمناسبة أسرف فيه عبد الإله بنكيران خلال فترة رئاسته للحكومة عندما فرض قوانين التقاعد وألغى الدعم عن بعض المواد الأساسية. في تلك الفترة كان بنكيران يواجه صوتا معارضا أيضا من داخل الحزب مثلما يقوم به هو اليوم في مواجهة قيادته الجديدة. كان هذا الصوت محصورا في النائب البرلماني عبد العزيز أفتاتي الذي كان يرفع بين الفينة والأخرى عقيرته للاعتراض على ما تقوم به حكومة العدالة والتنمية من "إصلاحات". واليوم تمت إعادة توزيع الأدوار ليمثل بنكيران بخرجاته الإعلامية والفايسبوكية التي لا تنتهي نوعا من الحزب البديل داخل الحزب الأم ليخلق نوعا من التوازن في مواجهة الدولة وكذا ليعطي الانطباع أمام الرأي العام بأن ما ينغمس فيه الحزب من قرارات تتعارض مع قناعاته أحيانا أو مع انتظارات المواطنين لا يعني كل أعضاء الحزب وتياراته.

إنها في الحقيقة لعبة سياسية ذكية يتقنها حزب العدالة والتنمية وقياداته خصوصا من المخضرمين المنتمين إلى الجيل المؤسس. ومن المؤكد أن هذه الاستراتيجية التي يقودها بنكيران بتنسيق مع الأمانة العامة تستهدف أيضا في المقام الأول قواعد الحزب العريضة من الشباب والنساء والمتعاطفين والخزان الانتخابي للحزب. إنها لعبة تنطوي كذلك على هدف آخر يعتبر أكثر أهمية وهو ترميم هذه الشعبية المشروخة باسترجاع تلك الوظيفة المنبرية التي كانت لحزب العدالة والتنمية في بدايات نشاطه السياسي عندما كان يتبنى معارك الهوية ويتصدر مسيرات الدفاع عنها. تذكروا المسافة التي قطعها الحزب بين مسيرة معارضة خطة إدماج المرأة في التنمية في 12 مارس 2000 وليلة التصويت على اتفاقية السيداو.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرة + 18 =

زر الذهاب إلى الأعلى