فن وثقافة

السياحة البرية.. حيوانات “مبتسمة” لا أحد يهتم بعذاباتها

تحتل صورها أغلفة المجلات وصفحات إنستغرام، ينشر المشاهير صورهم معها، فيتسابق الجمهور لالتقاط الصور نفسها لأنفسهم، هي التي تنتشر مقاطع فيديو قصيرة تظهر مدى ظرفها وذكائها، ولكن لا أحد يرى مقدار معاناتها، إنها الحيوانات البرية أسيرة الإنسان.

فرغم أن الصور المنشورة مع الحيوانات البرية تظهر مدى سعادة الجميع وقت التقاط الصورة، فإن كواليس هذه السياحة ليست بالسعادة نفسها، بل هي على النقيض تماما، وفيها تعاني تلك الحيوانات أشد معاناة، فالحيوانات تعذب بمختلف الطرق وتعيش حياة قاسية ومهينة لم تخلق لها بالأساس.

تعد إندونيسيا وتايلند وكمبوديا ونيبال وسريلانكا والهند والدول التي تقع في جنوبي شرقي آسيا، صاحبة السجل الأسوأ في مجال التعامل مع الحيوانات في عصرنا الحالي، فهناك مشاهدات مختلفة في الأماكن ونوع الحيوانات المعرضة للإساءة، اتُفق على وقوعها في هذه البلاد تحديدا، لكونها تشتهر بالسياحة البرية وتجارب التعامل عن قرب مع الحيوانات البرية، وهي قبلة لمحبي الحيوانات حول العالم الذين يعتقدون أنهم بهذه الزيارات يعبرون عن هذا الحب، ولكنهم في الحقيقة يزيدون من معاناة الحيوانات.

ترويض الحيوانات المفترسة بالتعذيب

يحب الكثيرون التقاط صور مع نمر كبير كبرهان على الشجاعة، أو مع النمور الصغيرة لما تتسم به وجوهها من اللطف المحبب للقلوب، ولكن الحقيقة وراء الصور ليست بهذه الروعة، فبحسب موقع "ذا صن" تقيّد النمور الكبيرة بسلسلة غليظة تمنعها من الحركة، بالإضافة إلى تخديرها أو نزع مخالبها أو تعريضها لكلا الأمرين. أما بالنسبة للحيوانات الصغيرة فهي تؤخذ من عائلاتها بعد مدة قصيرة من الولادة وتحرم من السكن معها وتعامل بالإجراءات القاسية نفسها عند وصولها لسن البلوغ.

يحدث أمر مشابه مع الدببة والذئاب والثعالب في روسيا على وجه التحديد، فهي تشتهر بمصورين احترفوا أسر هذه الحيوانات المفترسة من أجل تصويرها مع من يرغب، وبهذا تحبس هذه الحيوانات في أقفاص شديدة الصغر لا تكفيها. أما عن عروض السيرك التي اشتهرت في روسيا حيث تشاهد الدببة وهي تقف على قوائمها الخلفية كالإنسان، فقبل تقديم عروضها، تربط من رقبتها بسلسلة شديدة القصر لإرغامها على الوقوف بهذه الطريقة، كما أن فمها دائما مكمم بكمامة معدنية، ومدربوها دائما ما يمسكون في أيديهم عصيا معدنية غليظة للتوجيه والتدريب.

الحيوانات المدربة تفقد كرامتها من أجل الحياة

يحلم الكثيرون بالسفر إلى البلاد التي تتيح ركوب الأفيال، وينبهرون بمقاطع الفيديو التي تظهر فيها الفيلة وهي ترسم اللوحات، ولكن في حقيقة الأمر أن هذه الأفيال تعاني الأمرين من أجل أن تكون بهذه الاحترافية، فهي تؤخذ منذ الصغر من أمهاتها لتقيد قدمها الأمامية بسلسلة غليظة، وتعاني ضربا مبرحا وتدريبات عنيفة مع التوجيه بالمسامير الحادة، يستمر تدريب الفيل بضع سنوات حتى تكسر كرامته وينصاع بلا أي محاولة للتمرد، وهو ما يؤدي إلى إصابة هذه الحيوانات شديدة الذكاء بالاكتئاب، الذي يفضي بدوره إلى نفوق الفيلة بشكل أبكر من المعتاد، وعدم رغبة الفيلة في التكاثر بحسب موقع غارديان.

أما مدينة جاكرتا فقد اشتهرت بنوع غريب من العروض التي كانت تقدم في البداية للأطفال الفقراء ثم تحولت إلى الترفيه عن السياح، هذه العروض تعتمد على قردة ترتدي ملابس الأطفال وتضع أقنعة عرائس بلاستيكية. وفقا لموقع تايم، يتم تعذيب هذه القردة وتدريبها بالضرب المبرح حتى إن بعض القردة لا تتحمل شدة التعذيب وتموت قبل أن تبدأ في الترفيه عن الجمهور الذي يحضر خصيصا لرؤيتها.

وفي البحر أيضا

حتى الحيوانات البحرية لم تسلم من أذى الإنسان، فبينما تعاني بما يكفي في بيئتها الأصلية من مخلفات الإنسان التي تقتلها، يصطادها البشر لاستخدامها في عروض ترفيهية، وكما ورد في موقع رويترز، فإن حبس الحيوانات المائية كبيرة الحجم مثل الدلافين والحيتان البيضاء بعيدا عن بيئتها الأصلية يؤثر عليها بالسلب، بالإضافة إلى تعريضها لأنواع التعذيب المختلفة من أجل تدريبها وترويضها.

وبينما يحب الجميع مشاهدة الدلافين صديقة الحيوانات وهي تؤدي العروض المختلفة بصحبة مدربيها، فإن وقوف المدربين على ظهورها مما يعرضها للتقوس والكسر، بجانب أن التعامل الدائم مع البشر يعرض بشرتها الملساء للخدوش والجروح بسرعة، وهذا ما يحدث بالفعل في دول مثل الولايات المتحدة والبرازيل.

السياحة البرية الحقيقية خدعة

بحسب التحقيق الذي نشرته مجلة ناشيونال جيوغرافيك، فإن بعض السائحين الأوروبيين والأميركيين خاصة، بدأوا في رفض مشاهدة عروض الحيوانات الأسيرة، وفضلوا عنها مشاهدة الحيوانات الحرة التي تجري في البرية، معتقدين أنهم يدعمون مؤسسات تعامل الحيوانات بإنسانية، وهو الأمر الذي نفاه التحقيق.

فقد تبين أنه في واقع الأمر كلا النوعين يتبعان جهة واحدة، والأفيال التي تبدو حرة في البرية هي نفسها الأفيال التي تقدم عروضا ترفيهية للسياح في المكان الآخر، وتابع التقرير أنه في حالة فيل محدد كان يقدم الكثير من العروض الترفيهية، حاول في مرة الهرب أثناء إطلاقه في البرية، وهو ما أدى إلى عدم فك قيده مجددا.

دور المشاهير ومواقع التواصل

لطالما كانت هذه الممارسات موجودة منذ سنوات طويلة، ولكنها زادت بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية نظرا لطلب السياح المتزايد على تجربة التواصل الإنساني المباشر مع الحيوانات البرية، والذي سببته صور السائحين التي ينشرونها على مواقع التواصل المختلفة، وخاصة إذا كانوا من المشاهير الذين يملكون عددا ضخما من المتابعين، وبهذا توسعت الدائرة الجهنمية لتعذيب الحيوانات.

أجرت الصحفية ناتاشا دالي حوارا مع موقع بيبول أكدت فيه أن التعاطف مع الحيوانات وحده لا يكفي، فيجب على المتعاطفين حقا مع قضية هذه الحيوانات أن ينشروا حقيقة الأمر بين معارفهم، وأن يبدؤوا بأنفسهم ويقاطعوا مثل هذه المنشآت التي تقدم تواصلا مباشرا بين الإنسان والحيوانات البرية، لأن أي تواصل يستلزم ترويضا قاسيا نظرا لطبيعة الحيوانات الأصلية، والاكتفاء بزيارة ودعم المحميات الطبيعية التي تقدم رحلات سفاري تشمل مشاهدة الحيوانات في بيئتها الأصلية دون أي تواصل إنساني معها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة − 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى