صحيفة لوموند الفرنسية: الجزائر تتخبط في أزمة أمنية واستخباراتية والنظام العسكري غارق في صراعات داخلية
صحيفة لوموند الفرنسية: الجزائر تتخبط في أزمة أمنية واستخباراتية والنظام العسكري غارق في صراعات داخلية

الدار/ ترجمات
نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرًا يكشف حجم التدهور الذي بلغه النظام العسكري في الجزائر، وسط حالة غير مسبوقة من التفكك داخل أجهزة الاستخبارات وتخبّط في دوائر صنع القرار.
الصحيفة وصفت المشهد الجزائري بأنه أقرب إلى مسرحية عبثية، تُدار فيها الدولة بعقلية المؤامرة والانقلابات الصامتة، لا بالمؤسسات أو الكفاءات.
التقرير أبرز أن التغييرات المتكررة داخل الأجهزة الأمنية لم تعد تعكس دينامية إصلاحية، بل تؤكد وجود صراع مزمن بين أجنحة عسكرية تتناحر خلف الستار، في مشهد يُشبه كثيرًا تبادل الأدوار على مسرح مغلق. المثال الأبرز على ذلك، إقالة الجنرال عبد القادر حداد المعروف بـ”ناصر الجن” وتنصيب الجنرال عبد القادر آيت وعرابي، الشهير بـ”الجنرال حسان”، مكانه، رغم أن الأخير سبق أن حُكم عليه في وقت سابق، ثم عاد للواجهة بعد تبرئة غامضة ومثيرة للشكوك.
صحيفة لوموند ترى أن عودة “الجنرال حسان” إلى رأس جهاز الأمن الداخلي تُجسد مفارقة صارخة في نظامٍ لا يجد غضاضة في إعادة تدوير وجوه أُدينت سابقًا، ما دام ولاؤها مضمونًا.
بالنسبة للنظام الجزائري، كل شيء قابل للتعديل إلا قاعدة الولاء، أما القانون والمحاسبة، فهما من التفاصيل غير الضرورية.
منذ الإطاحة بالجنرال توفيق عام 2015، تقول الصحيفة، دخلت المخابرات الجزائرية مرحلة من الانهيار الهيكلي، تحولت خلالها من جهاز أمني إلى ساحة لتصفية الحسابات بين قادة الجيش. ومع كل تغيير في القيادة، يتكرر السيناريو ذاته: لا تفسير، لا محاسبة، فقط استبدال سريع يضمن استمرار القبضة الحديدية، حتى ولو على حساب الأمن القومي.
لوموند لم تغفل الإشارة إلى عجز المؤسسة العسكرية عن التعامل مع ما يسمى التهديدات المحيطة بالجزائر، من ليبيا والساحل، إلى مالي والنيجر. كل هذه الملفات الشائكة تُواجه بخطاب المؤامرة، وبتصدير الأزمة نحو الخارج، بينما الواقع يقول إن النظام نفسه بات أحد عوامل انعدام الاستقرار في المنطقة.
وعلى المستوى الدبلوماسي، أوضح التقرير أن الجزائر تزداد عزلة يومًا بعد يوم. فبعد قطع العلاقات مع المغرب، وتأزم الموقف مع مالي بسبب اتهامات تتعلق بإسقاط طائرات مسيّرة، تدهورت علاقاتها أيضًا مع النيجر وبوركينا فاسو، حيث وُجهت إليها تهم بدعم جماعات مسلحة، في ظل تراجع واضح لدورها لصالح روسيا وشبكة فاغنر، التي باتت أكثر تأثيرًا وفعالية.
لوموند تطرّقت كذلك إلى التوتر المتصاعد مع فرنسا، والذي بلغ حدّ تبادل الاتهامات بالتجسس والتدخل، ليكشف عن عمق فقدان الثقة حتى مع الحلفاء التقليديين. في خضم كل ذلك، يظهر النظام الجزائري وكأنه يعيش في قوقعة من الهواجس، يرفض مواجهة الواقع، ويلجأ إلى نظرية المؤامرة كستار لفشله الذاتي.
وفي خلاصة التقرير، أكدت الصحيفة أن ما يحدث في الجزائر لا يُختزل في خلافات داخل أجهزة الأمن، بل هو انعكاس مباشر لبنية حكم متآكلة ترفض التجديد، وتخشى الشفافية، وتستمد شرعيتها من منطق الخوف لا منطق الدولة. نظام عسكري هرِم، يطارد أشباح الأمس، ويعجز عن فهم لغة اليوم.