إنسحاب مفوضية اللاجئين من العيون مؤشر إستراتيجي على حسم ملف الصحراء المغربية.
إنسحاب مفوضية اللاجئين من العيون مؤشر إستراتيجي على حسم ملف الصحراء المغربية.

إن إعلان مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن إنهاء عقود عمل موظفيها بمدينة العيون، ابتداءا من 30 شتنبر المقبل، لا يمكن إعتباره مجرد إجراء إداري عابر، بل هو تحول ذو دلالة سياسية وإستراتيجية بالغة، يندرج ضمن مسار أعمق يعيد تشكيل ملامح حضور الهيئات الأممية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، ويعكس واقعية جديدة آخذة في الترسخ على الأرض وفي أروقة الأمم المتحدة على حد سواء وهي أن لا حل سوى مقترح الحكم الذاتي .
إن تواجد المفوضية في مدينة العيون لطالما كان يستند إلى فرضية مغلوطة وهي نتاج أكدوبة جزائرية سرعان ما إنكشفت للعالم بأسره ، فرضية تتعلق بوجود حالة لجوء أو أوضاع إنسانية إستثنائية، والتي لم تكن سوى إمتداد لخطاب إنفصالي يسعى إلى إضفاء طابع النزاع الإنساني على قضية عادلة في جوهرها صادقة في تاريخها وحغرافيتها، ولا يمكن أن تكون أبدا موضوع نزاع سياسي إقليمي لولى مكر وخداع الجزائر . وهاهي الحقيقة اليوم، ومع هذا القرار، تسطع عاليا بقرار حاسم للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ، بانتفاء مبررات وجودها في منطقة تعرف إستقرارا مؤسساتيا وتنمويا يشهد به القاصي والداني.
إنها رسالة صامتة ولكنها بليغة، موجهة إلى من يصرون على النفخ في رماد أطروحة انفصالية تتآكل يوما بعد يوم. لقد أصبح من الواضح أن الأمم المتحدة باتت أكثر ميلا إلى قراءة الواقع كما هو، لا كما يراد له أن يسوق من قبل الأطراف المعادية للوحدة الترابية للمملكة الشريفة . فالعيون اليوم ليست فضاءا للعمل الإنساني الطارئ، بل مدينة مغربية تنبض بالحياة والتنمية والإستثمار، وتؤطرها مؤسسات رسمية وقوانين وطنية وسياسات عمومية قائمة الذات.
خطوة مهمة لمنظمة أممية تسحب البساط من تحت أقدام عصابة بوليساريو، التي دأبت على استغلال حضور بعض الهيئات الأممية في الأقاليم الجنوبية لتمرير خطاب المظلومية وتضليل الرأي العام الدولي. فحين تغادر المفوضية العيون، يصبح من العسير الحديث عن وجود “لاجئين” أو “أزمة إنسانية” في منطقة يزاول فيها المواطنون حياتهم بشكل طبيعي تحت السيادة المغربية الكاملة.
وعلى مشارف الجانب الآخر على المفوضية وكل الهيئات الحقوقية الدولية أن توجه بوصلتها نحو مخيمات تندوف، حيث الإشكال الإنساني حقيقي، وحيث آلاف المحتجزين يعيشون خارج القانون الدولي، في ظل إنعدام الحريات وتسلط جماعة مسلحة خارج السيادة الجزائرية. وهو ما يفتح مستقبلا، الباب أمام مساءلة الجزائر حول مسؤوليتها القانونية والأخلاقية تجاه هذا الوضع اللاإنساني الخطير.
إن القرار الأممي تعبير عن بداية تحول نوعي في طريقة تعاطي المنتظم الدولي مع ملف الصحراء المغربية، ويعكس انزياحا متزايدا نحو منطق السيادة الفعلية والحل السياسي الواقعي. وهو ما يفرض على المغرب مواصلة إستثماره في ترسيخ حضوره المؤسساتي والدبلوماسي، وتكثيف تحركاته لإحراج خصومه أمام المنتظم الدولي، ليس فقط عبر إثبات مشروعية موقفه، بل أيضا عبر تسليط الضوء على الفجوة المتزايدة بين الواقع الذي يفرضه في الأقاليم الجنوبية، والوهم الذي لا يزال البعض يروج له من داخل الخيام البالية بتندوف.
ختاما ، إن إنهاء حضور المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالعيون، هو حسم فعلي لملف مفتعل مند 50 سنة ، وإعلان أممي نحو مرحلة جديدة، تتسيد فيها الواقعية السياسية على حساب الشعارات المتآكلة، ويصعد فيها المغرب من موقع الدفاع إلى موقع المبادرة والمبادأة، على أرض يعرف العالم أكثر من أي وقت مضى أنها جزء لا يتجزأ من ترابه الوطني.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان
خبير في نزاع الصحراء المغربية