أخبار الدارأخبار دوليةسلايدر

تحالف راسخ منذ 470 عاما: المغرب وبريطانيا… علاقة تاريخية تتجاوز الزمن والسياسة

تحالف راسخ منذ 470 عاما: المغرب وبريطانيا… علاقة تاريخية تتجاوز الزمن والسياسة

الدار/ تقارير

تُعدّ العلاقات بين المغرب والمملكة المتحدة من بين أقدم وأقوى الشراكات التي عرفها التاريخ بين دولة أوروبية وقوة إسلامية خارج المنظومة الدينية التقليدية. فما بدأ كتبادل تجاري في منتصف القرن السادس عشر، تطوّر عبر الزمن إلى تحالف استراتيجي متماسك، ظل صامداً في وجه التحولات الجيوسياسية والحروب والقرارات المصيرية التي غيّرت وجه العالم.

تعود أولى بوادر هذا التحالف إلى عام 1551، عندما شرعت إنجلترا في إبرام معاهدات تجارية مع السلطنة السعدية، في وقت كان فيه المغرب قوة إقليمية تمتد من مراكش إلى أعماق الصحراء، بينما كانت إنجلترا تتجه بخطى ثابتة نحو كسر احتكار الكاثوليك للملاحة والتجارة. هذا التلاقي، رغم اختلاف السياقات الحضارية، كان مدفوعاً باعتبارات استراتيجية صرفة: المغرب يبحث عن شركاء اقتصاديين، وإنجلترا تسعى إلى موطئ قدم في طرق التجارة العالمية.

تعمّقت هذه العلاقة أكثر في عام 1585 حين وُقعت اتفاقية تحالف تجاري بين الطرفين، عُدت آنذاك خطوة غير مسبوقة من دولة أوروبية تجاه دولة مسلمة، وشكّلت علامة فارقة في المسار الدبلوماسي البريطاني خارج أوروبا. هذا التحالف تعزّز بدينامية دبلوماسية قوية، قادها من الجانب المغربي كل من الرايس أحمد بلقاسم سنة 1588، والسفير الشهير عبد الواحد بن مسعود في عام 1600، الذي وصل إلى البلاط الإنجليزي حاملاً رسالة تحالف من السلطان أحمد المنصور الذهبي إلى الملكة إليزابيث الأولى.

زيارة عبد الواحد لم تكن مجرد مهمة دبلوماسية، بل لحظة تاريخية شدت أنظار الإنجليز وأثارت إعجاب النخبة السياسية والثقافية في لندن، حتى أن بعض الباحثين ربطوا بين شخصيته وبين شخصية “عطيل” في مسرحية شكسبير الشهيرة، في دليل على الأثر العميق الذي خلفه هذا التقارب في الوعي الثقافي البريطاني.

ورغم بعض فصول التوتر، مثل السيطرة البريطانية المؤقتة على طنجة سنة 1661 بعد زواج الملك تشارلز الثاني، وما أعقبها من صدامات مع القوات المغربية، فإن العلاقات لم تنقطع، بل عادت لتتخذ مساراً عملياً، استمر فيه تبادل المصالح، وتعاون الطرفان في ملفات شائكة مثل مكافحة القرصنة، وتبادل الأسرى، وتطوير التجارة البحرية، خصوصاً في موانئ مثل طنجة وسلا والصويرة.

هذا التاريخ الطويل من التفاعل، والذي تجاوز اللحظات الحرجة والتحولات الحادة، مكّن البلدين من بناء علاقة فريدة من نوعها، تستند إلى الثقة والمصالح المشتركة. واليوم، لا تقف هذه العلاقة عند حدود التاريخ، بل تمتد إلى حاضر يشهد تعاوناً قوياً في مجالات التعليم، الاقتصاد، الطاقة، الأمن، مكافحة الإرهاب، والتغير المناخي.

وبينما تتغير خرائط التحالفات في العالم، يواصل المغرب وبريطانيا كتابة فصول جديدة من شراكة صلبة جذورها في التاريخ، وقوتها في الاستمرارية، ورهانها على المستقبل المشترك.

زر الذهاب إلى الأعلى