
الدار/
تتوالى المؤشرات على تحول نوعي في المواقف الدولية تجاه قضية الصحراء المغربية، تحول يعكس بلوغ مسار القضية المفتعلة ، مرحلة دقيقة من النضج الدبلوماسي والإستراتيجي. فبعد الإعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، تلتحق بريطانيا بركب الداعمين للمقترح المغربي القائم على الحكم الذاتي، ضمن السيادة الوطنية، وهو ما يشكل موقف حاسما لدولة وازنة من الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن.
إنتصارات ديبلوماسية مغربية متوالية وزحم من الاعترافات بجدية مقترح المملكة يجعلنا نستشرف محطات مهمة قادمة تصب في مرمى الخطة الملكية لتدبير ملف الصحراء مند أن إعتلى جلالته عرش أسلافه المنعمين .
إن المحطة قادمة ياسادة ، التي باتت تلوح في الأفق ، وهي محطة حاسمة بكل المعايير والمقاييس المتقدمة في العمل الأممي ، تتمثل في الإعداد لمؤتمر دولي موسع، سيعقد على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بدعوة وتنسيق مشترك مغربيو أمريكي و إماراتي، وبمشاركة دولية واسعة وطبعا لبريطانيا وفرنسا وإسبانيا وقوى دولية وازنة أخرة مثل الصين وروسيا .
سيكون الهدف من هذا المؤتمر ، هو العمل على بلورة صيغة دبلوماسية وتوافقية لإخراج ملف الصحراء من أجندة اللجنة الرابعة المكلفة بتصفية الإستعمار، ونقله بشكل نهائي إلى دائرة الإختصاص الحصري لمجلس الأمن. نعم سيتحقق الأمر قريبا وقبل شهر أكتوبر ، لتدخل القضية الوطنية الأولى مرحلة جديدة، يكون فيها الحل السياسي بناءا على مقترح الحكم الذاتي وتحت سقف شروط المملكة الشريفة ، وسيكون المرجع الوحيد المطروح دوليا.
إن ما ينجز اليوم ليس مجرد تكرار لإنتصارات متفرقة للدبلوماسية المغربية يتم تسجيلها بين الفينة والأخرى، بل هو منعطف حاسم في مسار القضية الوطنية . فالمواقف الداعمة لم تعد تصدر عن دول هامشية أو تحت ضغط ظرفي، بل تصدر عن قوى كبرى تبلور مصالحها الإستراتيجية وفق معايير متداخلة، يتداخل فيها السياسي بالاقتصادي، والدبلوماسي بالعسكري. فالموقف البريطاني اليوم بسيادة وكما فعلت الإدارة الأمريكية و فرنسا وإسبانيا ، موقف يمثل دعما واضحا للمبادرة المغربية، ويأتي في سياق شبكة من المصالح المتصاعدة، خاصة في مجالات الطاقة والاستثمار.تحول لا يمكن عزله عن الدينامية الاقتصادية التي بات المغرب يقودها، حيث أصبحت أراضيه، بما فيها الصحراء، مجالا مفتوحا أمام شراكات إستراتيجية في مجالات الطاقة الخضراء، والنقل، والاتصال القاري، وهي شراكات في أغلبها تبقى طي السرية إلى أن يفاجئ بها الأعداء وهذا من صلب عمل الأجهزة الاستخبارية الاقتصادية العالمية التي تضمن نجاح تحركات ديبلوماسية بلدانها الاقتصادية . المغرب الذي كرس مبدأ الخطوط الحمراء في تعامله مع محيطه الدولي ليس فقط في علاقاته السياسية والأمنية والعسكرية بل جسده في معاملاته التجارية وشراكاته الإقتصادية ،لتشكل السيادة المغربية على كل أقاليمه ومنها الصحراوية ،عنصرا أساسيا في ترسيخ مواقعه إقليميا ودوليا.
التحول البريطاني الذي تزامن مع تحرك كيني لافت، عبر عنه رئيس الوزراء الكيني خلال زيارته الأخيرة إلى الرباط، بما يوحي بأن نفوذ لندن في إفريقيا قد بدأ يشتغل في اتجاه يخدم المصالح المغربية. وهذا التزامن لا يبدو بريئا، بل يعكس نسقا دبلوماسيا أكثر براغماتية، يخرج الملف من ثنائية “الشرعية التاريخية مقابل التأييد السياسي”، ويدخله في منطق المصالح المستدامة والمربحة لجميع الأطراف.
مع كل هذه المؤشرات الإيجابية، يظل السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه: ماذا عن الداخل المغربي؟ ما هو مدى تأهب الجبهة الوطنية لمواكبة هذا التحول المصيري، الذي سيعمل على إعادة تشكيل توازنات الدولة المغربية وطبيعة مؤسساتها؟ وهل نحن مستعدون لإدارة هذا المكسب ضمن إطار ديمقراطي يضمن العدالة الإجتماعية والإقتصادية؟
ختاما ، إن الوطني الحق لا يكتفي بالتغني بالإنتصارات ، بل يعمد إلى تحويلها إلى مكتسبات ملموسة ومعاشة .نحن على مشارف حكم ذاتي على أساس بنية ديمقراطية قوية، وعلينا أبناء هذا الوطن الواحد أن نكون أفرادا ومؤسسات في مستوى إستمرارية مكاسبنا الدبلوماسية و بناء مؤسسات دامجة محتضنة للكل دون تمييز ،ومنظومة إقتصادية تحقق التنمية والكرامة لكل أبناء الوطن .فالمكاسب التي تتحقق اليوم ليست نهاية المطاف، بل بدايته الفعلية. فالمعارك لا تحسم في صالونات الأمم المتحدة، وإنما تكسب في الميدان، وفي بناء دولة مؤسسات قادرة على صيانة المكتسبات، وتثبيت المشروعية، وضمان التماسك الاجتماعي والسياسي.
الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.