
بقلم: ياسين المصلوحي
من عجائب القدر هو صدور قرار إعفاء الواليين على رأس جهة فاس مكناس وجهة مراكش آسفي، بتزامن مع صدور قرار إنهاء مهام رئيس جامعة ابن زهر بأكادير.
القرار المتعلق بإنهاء مهام رجال وزارة الداخلية على رأس الولاية جاء بعد مشاركتهما في عملية نحر أضحية يوم عيد الأضحى، بحضور مجموعة من المسؤولين الجهويين والإقليميين لمختلف المصالح الخارجية. حيث اعتُبر هذا الفعل مخالفًا لتوجيهات صاحب الجلالة بخصوص الإهابة بعدم ذبح أضحية العيد حفاظًا على القطيع، وهو القرار الذي لقي تجاوبًا كبيرًا من طرف الشعب، وكان الأجدر على رجال السلطة الامتثال له والتقيد به أكثر من باقي المواطنين.
قد تكون نية الواليين حسنة ولا تنم عن مخالفة توجيهات أمير المؤمنين عن قصد رغم الوقوع في المحظور، إلا أن مرافقيهم وحاشيتهم المقربة كان يجب عليهم إسداء النصح لهم وتنبيههم لما قد يحمله هذا السلوك من تبعات ومسؤوليات وخيمة بسبب مكانتهم الاعتبارية والإدارية في جهاز السلطة المحلية، وهو ما يطرح السؤال عن دور المجالس العلمية المحلية والإقليمية والمحلية، وكذا المصالح الخارجية الأخرى، التي كان المفروض فيها مناقشة هذا القرار قبل الإقدام عليه، خصوصا مع تسخير مجموعة من الوسائل المتعلقة بأجهزة أخرى مثل الوقاية المدنية والجماعات الترابية… وهو ما قد يوسع دائرة ترتيب المسؤوليات إلى هذه الهيئات، عوض اقتصارها على الواليين.
في نفس اليوم، تمت موافقة رئيس الحكومة على إنهاء مهام رئيس جامعة ابن زهر، على خلفية ما بات يعرف بفضيحة بيع الشهادات الجامعية، التي يُتهم فيها أستاذ جامعي منسق لأحد أسلاك الماستر بنفس الجامعة. فبعدما كان النقاش محصورًا في دائرة ضيقة من المسؤولين، وخصوصًا في ظل الصمت الرسمي لرئاسة الجامعة لأيام طويلة، وهو ما فتح الباب أمام بعض التأويلات التي أشارت إلى أن إدارة الجامعة تسعى لطمس الملف والمراهنة على ذاكرة الرأي العام القصيرة التي تنسى الملفات بسرعة في خضم تسارع الأحداث. إلا أن هول الفضيحة التي أساءت لصورة التعليم الجامعي ككل، وهو الذي يعرف مجموعة من العمليات التي تسعى من خلالها الوزارة الوصية إلى تلميع صورة الجامعة العمومية وإعطائها قبلة الحياة لتعود إلى الساحة المجتمعية وممارسة دورها في تكوين الأطر والكوادر المؤهلة والقادرة على تحمل المسؤوليات داخل أجهزة الدولة، دون إنكار أن هناك بعض الجامعات ذائعة الصيت وذات المكانة المرموقة على المستوى الإفريقي والعربي، هول الفضيحة الذي لم يمكن تجاهله ولا إهماله بهذه الكيفية، وهو ما تم ترجمته في خطوة أولى على شكل إعفاء رئيس الجامعة، في انتظار تعميق الأبحاث مع المستفيدين من هذه الشهادات المتاجر فيها لإبطال أثرها القانوني، خصوصًا وأنها استُعملت في ترقيات مهنية وتوظيفات، كما يروج في محيط القضية.
إعفاءات رجال السلطة ورئيس جامعة ابن زهر ليست إلا وجهين لنفس العملة، التي هي ربط المسؤولية بالمحاسبة وترتيب المسؤوليات عقب كل سلوك يقوم به أحد ممثلي الإدارة، في محاولة لتخليق الحياة العامة وتكريس الثقة بين الإدارة والمواطن، وتقوية جسور الاطمئنان التي أسس لها صاحب الجلالة منذ اعتلائه عرش المملكة المغربية، حيث سعى إلى تجويد خدمات الإدارة وإبراز المفهوم الجديد للسلطة المرتكز على تقوية دولة الحق وسيادة القانون على الجميع، وأولهم المسؤولين. هذه التوجيهات الملكية المبلورة على شكل نصوص قانونية هي التي من شأنها بناء مجتمع قوي ونزيه يتساوى فيه الجميع، كيفما كان موقعهم، ويخضعون لإملاءات القانون.
فبالإضافة إلى اعتبار هذه الإعفاءات جزاءات قانونية، فهي درس تطبيقي وتنبيه عملي لباقي المسؤولين من أجل إعادة ضبط أوراقهم ومراجعة سلوكياتهم لأخذ العبرة والسير على النهج الذي يرسمه القانون وتشكله توجيهات رئيس الدولة الملك محمد السادس.