
الدار/ خاص
تصدّر المغرب قائمة مستوردي الشاي الصيني في العالم سنة 2024، بواردات بلغت 86 ألف طن، محققًا بذلك نموًا سنويًا بنسبة 34.68% مقارنة بالعام السابق، حسب بيانات رسمية صادرة عن الجمارك الصينية. الأدهى أن 99.85% من هذه الكمية تمثلت في الشاي الأخضر، في دلالة على التفضيلات الخاصة للذوق المغربي.
لكن ما وراء هذه الأرقام؟ ولماذا هذا الشغف المغربي العميق بالشاي، وخصوصًا بالشاي الصيني؟
الشاي في المغرب.. أكثر من مشروب، إنه ثقافة وهوية
من يتجول في الأزقة القديمة للرباط أو الأسواق الشعبية في فاس أو حتى شوارع طنجة الحديثة، سرعان ما يلحظ حضور أباريق الشاي الفضيّة، وكؤوس “العنبر” الصغيرة، وعبق النعناع أو الشيبة الذي يرافق رائحة الشاي المغلي. فالشاي في المغرب ليس مجرد مشروب تقليدي، بل هو أيقونة اجتماعية وطقس يومي لا غنى عنه، يشكل صلة وصل بين الأجيال، ويُقدَّم للضيف قبل الماء والطعام.
لماذا الشاي الصيني بالذات؟
يرجع ارتباط المغرب بالشاي الصيني إلى القرن الثامن عشر، حين دخل عبر التجارة مع أوروبا وبريطانيا، لكنه سرعان ما تحول إلى عنصر مركزي في الثقافة المغربية، وخاصة الشاي الأخضر الصيني من نوع “Gunpowder”، الذي يمتاز بنكهته القوية وقدرته على الاحتفاظ بجودته خلال النقل والتخزين.
وتحرص الأسر المغربية على اختيار أفضل أنواع الشاي الصيني، الذي يُمزج غالبًا بأعشاب عطرية محلية مثل النعناع أو الشيبة أو اللويزة. هذه الخلطة الفريدة من نوعها جعلت من “آتّاي” المغربي تجربة فريدة لا تشبه سواها في العالم.
السياحة والشاي.. تجربة تذوق لا تُنسى
العديد من وكالات السياحة اليوم باتت تُدرج في جداولها تجارب تذوق الشاي المغربي، سواء في قصور مراكش التقليدية أو في ضيافات الصحراء. السياح يكتشفون طقوس “سكب الشاي من علو”، ودقة اختيار الأعشاب، و”البراد المغربي” الذي يُصنع غالبًا يدويًا من الفضة أو النحاس.
وبحسب تقارير السياحة الدولية، فإن تجربة الشاي المغربي تُصنَّف اليوم ضمن أكثر الأنشطة الثقافية تميزًا في شمال إفريقيا، إلى جانب المطبخ المغربي والموسيقى الأندلسية.
اقتصاد الشاي.. عندما يتحول التذوق إلى صناعة
الطلب المتزايد على الشاي الصيني في المغرب لا يُعد فقط ظاهرة استهلاكية، بل أصبح أيضًا عنصرًا اقتصاديًا فاعلًا. المغرب لا يقتصر على استهلاك الشاي، بل يستورده بكميات ضخمة لإعادة توزيعه، وتوظيفه في قطاع الضيافة والسياحة، وحتى إعادة تصديره بعد تعليبه ضمن علامات تجارية مغربية.
ووفقًا لبيانات التجارة الدولية، بلغت قيمة واردات المغرب من الشاي الصيني في 2024 أكثر من 200 مليون دولار، ما يجعل المملكة شريكًا تجاريًا مهمًا للصين في هذا المجال، ويُرسخ عمق العلاقات الاقتصادية بين البلدين في إطار مبادرة الحزام والطريق.
“آتّاي” المغربي.. جسر ثقافي واقتصادي يربط الشرق بالغرب
قد يبدو احتلال المغرب المرتبة الأولى عالميًا في استيراد الشاي الصيني مفاجئًا للبعض، لكنه في العمق انعكاس لتاريخ طويل من التفاعل الثقافي والتجاري، ودليل على أن ما يعتبره البعض عادة بسيطة، قد يحمل أبعادًا سياحية، اجتماعية، واقتصادية عميقة.
في كل رشفة من “آتّاي”، هناك حكاية حضارية تبدأ من مزارع الصين الخضراء، وتمر عبر موانئ العالم، لتصل إلى بيوت المغاربة، وتُروى على مائدة الشاي، في لحظة دفء لا تنسى.