أخبار دولية

يتنقلون على الكراسي.. معاقون يحققون نتائج علمية مبهرة

بثقة المنتصر والمتفائل، تجلس إيمان فوق كرسيها المتحرك بمنزلها في قرية الناقورة بنابلس (شمال الضفة الغربية) تنتظر فرحتها الكبرى قبل أن تصلها بعد دقائق قليلة رسالة عبر هاتفها الخلوي تخبرها بالنجاح والتفوق، لتعم الفرحة منزل عائلتها بعد تسع عجاف غابت فيها مظاهر البهجة بسبب مرض عضال ألم بها.

إيمان أبو حشيش وأصيل مدني وسلسبيل عرباسي وعشرات غيرهم من ذوي الاحتياجات الذين يعيشون أوضاعا صحية صعبة حققوا حلمهم بإرادة فولاذية، وتفوقوا في اختبار الثانوية العامة الفلسطيني، وكتبوا بداية جديدة لحياتهم وتميزهم في العلم.

وكانت إيمان أصيبت قبل تسع سنوات بورم سرطاني لم يمهلها إلا أياما قليلة قبل أن يفتك بنخاعها الشوكي ويشل حركتها ويجعلها حبيسة كرسي متحرك، واضطرت إلى التوقف عن الدراسة بسبب انشغالها بالعلاج، في وقت كانت فيه زميلاتها في الصف قد اجتزن مرحلة جديدة من الدراسة.

ألم وحظوة
تألمت إيمان كثيرا وحزنت على ضياع سنة من دراستها الجامعية، لكن ذلك لم يوقف مسيرتها التعليمية، مستفيدة من الحظوة الكبيرة التي لاقتها من أسرتها، حيث جهز لها والدها منزلا بما يتلاءم مع حاجتها، وظل يشجعها بكل قوته للتغلب على المرض.

ورفضت إيمان نظرة المجتمع إليها، وواظبت على دراستها بمساعدة ذويها، مما ساعدها على التفوق في جميع المراحل الدراسية، وتقول "عدم استسلامها للمرض كان سر تفوقها وإحراز معدل 97.3% في الفرع العلمي، وسأتابع دراسة الصيدلة بالجامعة، وأجتهد في البحث عن علاج لمرضي".

ولم يدخر والد إيمان جهدا لمساعدة ابنته، وظل ينقلها على امتداد أيام الدراسة للمدرسة التي يعمل فيها مديرا، وساعدها على تحدي كل الصعاب المتعلقة باندماجها مع الطلبة الأصحاء، ومدى تقبلها ذلك، ووفر لها وللطلبة أمثالها بنية تحتية ملائمة تسهل وصولها للمدرسة والتجوال فيها.

تشجيع الأهل
تقدم لامتحان الثانوية العامة 235 طالبا وطالبة من ذوي الاحتياجات الخاصة بالضفة الغربية، ووصلت نسبة النجاح -حسب مدير عام وحدة التقويم والقياس والامتحانات بوزارة التربية والتعليم الفلسطينية الدكتور محمد عواد- نحو 80%.

ونجح من نحو 38 طالبا يعانون من إعاقة كلية ثلاثون، أحدهم أصيل المدني الناجح بمعدل 98.3% بفرع العلوم الإنسانية، ليبهر المجتمع بأكمله، ويبث الفرحة بين ذويه بتميزه الذي توقعوه سلفا.

وأصيب أصيل (17 عاما) بعد ستة شهور من ولادته بمرض جيني سبب له شللا رباعيا أقعده عن الحركة، ولم يقعد عقله ويحجبه عن التفكير، فكان متفوقا في جميع مراحل دراسته، ومتميزا بمعرفته وثقافته الواسعة، وسعة اطلاعه وإتقانه اللغة الإنجليزية.

ثقة وثبات
يقول أصيل ردا على من يرى فيه نقصا؛ إن المرض سلبه حركته لكنه لم يسلبه عقله، وإن مسألة الحركة المحروم منها تظل ثانوية مقارنة بنعمة الفكر والعقل التي يتمتع بها.

وتغلب أصيل في منزله بمدينة رام الله على كل المصاعب، وحوَّل إحدى غرفه لصف مدرسي يتلقى فيه تعليمه على أيدي معلمين مختصين -حيث تفتقر المدارس لهذه الصفوف- حسب والده، الذي يشير إلى غياب مذل هذه القاعات في المدارس.

ورفض أصيل أن يكون حبيس المنزل أو كرسيه المتحرك، وظل على تواصل مع العالم الخارجي عبر وسائل الاتصال الإلكتروني، وضم لغرفته مكتبة تتسع لنحو خمسمائة كتاب قرأها جميعا، فبات واسع الثقافة وملما جيدا بالسياسة محليا وعالميا، وهو ما سيقربه من حلمه بدراسة العلوم السياسية.

ولم تشعر عائلة أصيل يوما بكدر في المنزل بسبب الإعاقة التي يحملها ابنها، بل تأقلمت مع وضعه منذ يومه الأول، واعتادت على أن تراه في كامل قواه؛ فهو -كما يصفه والده- يغمر البيت بأصوات ضحكاته وفرحه المتواصل.

المصدر / وكالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة − ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى