المواطن

حفار القبور الذي دفن كبار الشخصيات بالرباط: أواجه الموت يوميا

الدار/ إكرام زايد

 

لم يتصور "سعيد"، وهو حفار القبور الذي دفع العديد من كبار الشخصيات بالرباط، أن الحياة ستقوده إلى ما هو عليه منذ ثماني سنوات، حين كان موظفا يشتغل بإحدى الشركات المتخصصة في تصنيع الثريات بمدينة سطات..

ولأن الرياح تجري بما لا تشتهيه السفن، ولأن حياته انقلبت رأسا على عقب، وجد "سعيد" نفسه بين ليلة وضحاها حفارا للقبور بمقبرة الشهداء" بالرباط بعد أن قاده القدر لممارسة مهنة لم يتصور يوما أنه سيقوم بها.

 

يقول "الظروف التي عشتها والمسؤوليات الاجتماعية التي أتحملها هما ما قادني لهذه المهنة، لأني فضلت العمل حفارا للقبور لضمان قوت أسرتي الصغيرة. لم أتقبل الأمر في البداية، ولكن في ظل عدم وجود البدائل قبلت وتعودت واندمجت تدريجيا"..

مهنة صعبة قبل بها "سعيد" وتعود عليها مع مرور السنوات منذ التحاقه للعمل بمقبرة الشهداء سنة 2010، يتذكر فيها جيدا تجربته الأولى مع حفر أول قبر واصفا إياها بالصعبة جدا.. يقول "أتذكر أني تغلبت على نفسي وحفرت أول قبر، ولكني لم أستطع الحضور خلال دفن الجثمان ولكن توالت التجارب وتعودت تدريجيا على الحفر والدفن".

يقصد "سعيد" يوميا مقبرة الشهداء، وهو لا يدري قدر الرزق الذي سيحصله في يومه، متوكلا في ذلك على الله ومعتمدا على قدراته البدنية في ظل غياب أي تأمين بالنظر إلى المخاطر التي قد يتعرض إليها خلال حفر القبور.. معاناة يومية يعيشها "سعيد" ويلخصها بقوله " لا نشتغل مع الجماعة بل مع شركة متعاقدة مع المقبرة في ظل غياب أي تأمين.. وأذكر أني تعرضت للسعة عقرب، وتوجهت إثرها للمستشفى حيث تم حقني واقتنيت الدواء وبعد فترة وجيزة من الراحة عدت للعمل مجددا.. الخلاصة هي أني أشتغل بصحتي وافتقادها يعني المصير المجهول لي ولأسرتي الصغيرة".

أما الأجرة اليومية التي يتقاضها "سعيد" فغير ثابتة، بالنظر إلى تباين عدد الجنازات في اليوم ليبقى الأجر محكوما بعدد القبور التي حفرها في اليوم بمعدل 50 أو 60 درهم عن القبر الواحد.. أنت وزهرك كتخرج من دارك على الله".

اعتياد "سعيد" على ممارسة مهنته، لم يلغ خصوصية اللحظة التي توارى فيها الجثامين الثرى، وهو ما يوضحه بقوله "إنها أصعب لحظة لأنك حينها تشعر فعلا بعبارة أن الدنيا فانية، لأنه لا قيمة للجاه أو المال أو الأصدقاء أو النفوذ كل ما يبقى علاقة الميت بخالقه.. والجنازات لا تختلف بالنسبة إلي، سواء تعلقت بشخصيات هامة أو أناس بسطاء والاختلاف الموجود فقط في الوفود الرسمية التي تصاحب جنازات مماثلة".

وعن منظوره للموت بعد ممارسته مهنة حفار القبور، يقول "سعيد" "لم أخش يوما الموت لأني مؤمن دوما بأن الأعمار بيد الله، والموت حق لأن حياة الإنسان تنتهي عندما يصل الأجل المحتوم.. وكما أدفن الأموات فإني موقن أنه يوما ما سيأتي موعد لدفني أيضا".   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر − 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى