السنغال تعيد تموضعها الإقليمي وتراهن على المغرب لبناء توازنات جديدة في غرب إفريقيا

في خطوة بالغة الأهمية ، وجه البرلمان السنغالي دعوة رسمية إلى البرلمان المغرب، في شخص رئيسي غرفتيه مجلس النواب ومجلس المستشارين ، وإلى رئيس البرلمان الموريتاني، لحضور الجلسة الختامية لدورته العادية المقررة اليوم الإثنين 30 يونيو 2025 بالعاصمة داكار. دعوة إعتبرتها وسائل الإعلام تطورا إستثنائيا في العلاقات البرلمانية الإقليمية، لما تحمله من دلالات سياسية عميقة، ورسائل إستراتيجية تتجاوز البروتوكول الدبلوماسي التقليدي.
حدث في ظاهره يحمل طابعا مؤسساتيا و تشريعيا، لكن جوهره يعكس توجها سنغاليا جديدا لإعادة رسم ملامح سياستها الخارجية في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، من خلال تعزيز الإنفتاح على المغرب و موريتانيا، وتكريس تقارب ثلاثي سيعمل على إعادة بناء توازنات إقليمية بديلة في ظل التحولات المتسارعة التي تعرفها المنطقة. دولة السنغال التي لطالما عرفت بتموقعها المتوازن في علاقاتها مع القوى المغاربية، رغم علاقاتها التاريخية المتميزة مع المملكة المغربية ، تبدي اليوم تحركا دبلوماسيا غير معهود، بفتحها الباب لمؤسستها التشريعية لبناء علاقات أكثر تقدما مع الرباط و نواكشوط، في وقت تتعمق فيه العزلة الجزائرية وتتراجع فاعليتها الإقليمية أمام التحولات العميقة في منطقة الساحل.
وتكتسي دعوة البرلمان المغربي دلالة خاصة، بالنظر إلى المكانة الطلائعية التي بات يحتلها المغرب على الصعيدين الإقليمي والدولي، بفضل رؤية ملكية إستراتيجية أرست أسس دبلوماسية نشطة، وإقتصاد قوي ومتنوع، ونجاحات أمنية وتنموية جعلت من المغرب فاعلا محوريا في محيطه الإفريقي. وقد كرس المغرب حضوره المؤثر في غرب القارة عبر مشاريع إستراتيجية كالمبادرة الأطلسية ومشروع أنبوب الغاز النيجيري، وشبكات الربط الطاقي، والتعاون الأمني والاستخباراتي في مواجهة التهديدات الإرهابية، فضلا عن دوره الحاسم في دعم الإستقرار السياسي والإنتقال السلمي للسلطة في عدة دول إفريقية.
وإذا كانت موريتانيا تمثل بوابة تقليدية للسنغال نحو الشمال، فإن المغرب يجسد الامتداد الإستراتيجي للسنغال نحو الأسواق الدولية والشراكات الكبرى، حيث يشكل اليوم نقطة إرتكاز في علاقات أوروبا بإفريقيا، ومركزا ماليا ولوجستيا متقدما في المنطقة.
إن دعوة المغرب إلى السنغال في هذا التوقيت بالذات، و بعد شهور من التوترات الإقليمية المتفاقمة، تعكس إدراكا متزايدا بأهمية المملكة كقوة إستقرار وتوازن، وكرمز لوحدة المصير الإفريقي، وقدرتها على بناء تحالفات متوازنة تضمن المصالح المشتركة في ظل تنامي التحديات الأمنية والاقتصادية.
إن الخطوة السنغالية تندرج، ضمن مسار إفريقي آخذ في التشكل، تنزاح فيه الدول الواقعية والواعية نحو شراكات براغماتية مع قوى موثوقة وفاعلة، بدل الإرتهان للخطابات الإيديولوجية المتجاوزة. وتمثل هذه الدعوة إنتصارا دبلوماسيا جديدا للمغرب، يضاف إلى سلسلة مكاسب استراتيجية حققتها المملكة خلال العقد الأخير، من خلال عودتها القوية إلى الإتحاد الإفريقي، وتوسيع شبكة تمثيلياتها الدبلوماسية في إفريقيا، وكسبها لثقة عدد من الدول في ملف الصحراء المغربية، في مقابل تراجع خطاب الإنفصال والدعاية الجزائرية التي لم تعد تجد نفس الوجاهة في عواصم القرار الإفريقي.
ختاما ، إن القراءة الإستشرافية لهذا الحدث تشير إلى أن السنغال بصدد إعادة تموقع هادئ، تراهن فيه على تحالف مغربي موريتاني متجدد، يعيد رسم خرائط التأثير والنفوذ في غرب إفريقيا، ويضع حدا لمحاولات إختراق خارجي لطالما سعى إلى زعزعة إستقرار الساحل عبر دعم الإنقلابات والميليشيات المسلحة. وفي ظل هذا السياق، فالمغرب اليوم بات يمثل للعديد من دول المنطقة خيارا إستراتيجيا لا غنى عنه، بالنظر إلى ثبات مواقفه، ووضوح رؤيته، وإستقلالية قراره السيادي، مما يجعله شريكا موثوقا في بناء مستقبل غرب إفريقي آمن ومزدهر.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.