وزير الأوقاف: تجربة المغرب في المالية التشاركية تُجسّد انسجامًا بين الشرع والمصلحة العامة
وزير الأوقاف: تجربة المغرب في المالية التشاركية تُجسّد انسجامًا بين الشرع والمصلحة العامة

الرباط – أحمد البوحساني
أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية خلال افتتاح فعاليات المنتدى الدولي حول الاستقرار المالي للمؤسسات المالية الإسلامية، أن المغرب استطاع أن يرسّخ تجربة فريدة في مجال المالية التشاركية، تقوم على التوازن بين مقاصد الشريعة ومتطلبات الحكامة المالية الحديثة.
وفي كلمته أمام ثلة من كبار الخبراء الماليين، وممثلي البنوك المركزية، والهيئات الرقابية، شدد الوزير على أهمية انخراط المغرب منذ قرابة عقد في هذا المشروع الواعد، من خلال مؤسستين محوريتين: بنك المغرب والمجلس العلمي الأعلى. وقد نتج عن التنسيق بين هاتين المؤسستين تقارب فعّال بين الفقهاء والخبراء الماليين، ما أرسى أرضية شرعية وتقنية قوية لتنزيل المالية التشاركية.
الوزير استحضر جذور النقاشات المرتبطة بالفوائد والربا، مستندًا إلى تجربة شخصية أكاديمية تعود لأكثر من نصف قرن، حين كان يدرس نصوص أرسطو التي رفض فيها توليد المال من المال، مؤكدًا أن الشريعة الإسلامية بدورها نبهت إلى خطورة الربا لما فيه من ظلم وجور. وأوضح أن مقاربة الإسلام للمال ليست فقط تعبدية، بل هي مقاصدية تهدف لتحقيق العدالة والحد من الاستغلال.
وقال إن المال في التصور الإسلامي وسيلة وليس غاية، وهو أداة للتنمية لا للتكديس، يجب أن يوظف في الصالح العام، ويخضع لقواعد تحمي الحقوق وتمنع الجور، مؤكدًا أن التعامل المالي ينبغي أن ينبني على التعاقد العادل، لا على الطمع والاستغلال.
وفي معرض حديثه عن الخلفية التاريخية، أبرز الوزير أن المسلمين لم يكن أمامهم خيار عند استعارة النماذج الغربية، خاصة في إنشاء البنوك والتعامل معها. إلا أن بعض التيارات في العالم الإسلامي جعلت من النظام البنكي التقليدي نقطة مواجهة إيديولوجية مع الغرب، معتبرة أن كل فوائده تدخل ضمن الربا المحرم. وهنا ميّز الوزير بين المنهج العلمي الرصين الذي يعلي المصلحة ويوازن بين النص والمقصد، وبين التوظيف الإيديولوجي الذي قد يزج بالخطاب الديني في نزاعات سياسية.
وأوضح أن المغرب، برؤيته المتزنة، اختار الانخراط في تجربة “المالية التشاركية” لا “المالية الإسلامية”، لتفادي الإيحاء بأن النمط البنكي التقليدي مخالف للإسلام. فالمصطلح “التشاركي” يعبر عن طبيعة العقود والأدوات، بعيدًا عن الأحكام المسبقة.
الوزير لم يغفل الإشارة إلى الإطار الدستوري الذي يميز المغرب، حيث تبقى إمارة المؤمنين الجهة الوحيدة المخولة لحماية الدين، بتعاقد تاريخي من خلال البيعة، ومؤسسات علمية على رأسها المجلس العلمي الأعلى. هذا المجلس، من خلال لجنة الفتوى، أصدر قرابة 194 رأيًا شرعيًا حول منتجات المالية التشاركية، معتمدًا على دراسات علمية ومقارنات قانونية وميدانية.
واختتم الوزير كلمته بطرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية التي وصفها بأنها تعكس “همًا دينيًا، وسياسيًا، وأخلاقيًا”. ومن بينها:
هل يمكن للنمط التشاركي أن يؤدي كل وظائف البنك التقليدي؟
هل هناك حاجة للإبقاء على النمطين التشاركي والتقليدي بشكل منفصل؟
هل من المجدي التخلي عن وصف “الإسلامي” لصالح “التشاركي” لتفادي اللبس؟
وأشار إلى أن تجاوز هذه الإشكالات يتطلب مقاربة براغماتية تراعي الواقع والتحديات، بعيدًا عن الصراعات الهوياتية أو التأويلات المغلقة.
وفي ختام كلمته، عبّر الوزير عن شكره لكل المشاركين في المنتدى، مثمنًا الجهود المبذولة من أجل تعزيز استقرار القطاع المالي التشاركي وتوسيع آفاقه لخدمة التنمية والعدالة الاجتماعية.