سلايدرمغرب

من وجدة إلى بريتوريا.. المغرب يستعيد ذاكرة التحرر الإفريقي: زوما يدعم مغربية الصحراء ويستحضر احتضان الرباط لمانديلا

الدار/ مريم حفياني
أعلن الرئيس الجنوب إفريقي السابق، جاكوب زوما، دعمه الصريح لمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب لتسوية قضية الصحراء في إطار السيادة الوطنية للمملكة. ولم يكتف زوما بالتعبير عن موقف سياسي، بل ربط دعمه بسياق تاريخي عميق، حين ذكّر بدور المغرب في احتضان الزعيم نيلسون مانديلا سنة 1962، وتقديمه الدعم العسكري والمالي لحركات التحرر في إفريقيا.

خلال ندوة صحفية عقدها بالرباط، قال زوما إن مانديلا تلقى تدريبات عسكرية في مدينة وجدة، الواقعة على الحدود الشرقية للمملكة، وهي المدينة التي كانت حينها مركزًا لوجستيًا واستراتيجيًا لدعم حركات التحرر الوطني، ليس فقط في إفريقيا الجنوبية، بل في مختلف أنحاء القارة.
لقد شكّل المغرب، منذ نيله الاستقلال سنة 1956، قبلةً لحركات الكفاح ضد الاستعمار والفصل العنصري. ففي مرحلة مبكرة من استقلاله، وضع الملك الراحل محمد الخامس، ومن بعده الملك الحسن الثاني، السياسة الإفريقية للمملكة على أسس دعم نضالات الشعوب الإفريقية من أجل الحرية والوحدة، منفتحًا على زعماء كبار من أمثال أحمد سيكوتوري (غينيا)، وكوامي نكروما (غانا)، وباتريس لومومبا (الكونغو)، ومانديلا (جنوب إفريقيا).
وفي هذا السياق، كان المغرب من أوائل الدول التي دعمت المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) في نضاله ضد نظام الأبارتايد. واحتضن مجموعة من قياداته، وقدم لهم تدريبات عسكرية في قواعد قرب مدينة وجدة. وقد سبق لمانديلا نفسه أن صرح، بعد زيارته للمغرب سنة 1994، أن “المغاربة كانوا من الأوائل الذين آمنوا بقضيتنا وأمدّونا بالسلاح والخبرة”.
واليوم، وبعد أكثر من ستة عقود على تلك الحقبة المفصلية، يعود جاكوب زوما، أحد رموز النضال ضد الفصل العنصري، ليؤكد من الرباط أن المغرب “لم يدعم فقط التحرر الإفريقي، بل ظل وفيًا لمبادئ الوحدة وعدم التقسيم”، في إشارة إلى موقف المغرب الثابت من رفض تقسيم الدول الإفريقية تحت شعارات انفصالية.
قراءة في خلفيات الموقف الجديد:
•دعم زوما للمقترح المغربي يأتي في وقت تشهد فيه إفريقيا مراجعات عميقة لعلاقاتها مع قضايا ما بعد الاستعمار. فمع تراجع عدد الدول الإفريقية التي تعترف بجبهة “البوليساريو”، باتت الكفة تميل بشكل واضح لصالح الرؤية المغربية التي تقوم على الحكم الذاتي كحل سياسي واقعي ومتوافق عليه في إطار احترام وحدة وسيادة المملكة.
•يعكس الموقف أيضًا تحولًا في المزاج السياسي الجنوب إفريقي، حيث بات عدد متزايد من الشخصيات التاريخية والمثقفين والفاعلين يطرحون تساؤلات جدية حول مدى وجاهة دعم أطروحات انفصالية تتنافى مع المبادئ التي نشأت عليها حركات التحرر، وفي مقدمتها وحدة الشعوب ورفض التقسيم العرقي والجغرافي.
•كما يُمكن اعتبار زيارة زوما إلى المغرب ولقاءاته مع المسؤولين إشارة واضحة إلى أن الدبلوماسية الملكية المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، تواصل توسيع نفوذها داخل العمق الإفريقي، لا فقط على مستوى المصالح الاقتصادية، بل أيضًا على مستوى الذاكرة التاريخية والتحالفات الرمزية.
من مدينة وجدة التي استقبلت مانديلا قبل ستين سنة، إلى العاصمة الرباط التي استقبلت جاكوب زوما اليوم، يسجّل التاريخ أن المغرب لم يكن فقط طرفًا في معارك التحرر، بل كان دائمًا منصة للوحدة، ومفصلًا جغرافيًا وأخلاقيًا في مسار نهوض إفريقيا. واليوم، إذ يستعيد زعماء القارة تلك الذاكرة الجماعية، فإنهم يجدون في الرباط شريكًا موثوقًا ورؤية سياسية واقعية ترسخ لوحدة إفريقيا بدل تقسيمها.
زر الذهاب إلى الأعلى