أخبار دوليةسلايدر

بين المغرب وأمريكا.. قصة أول اعتراف وسيادة صداقة دامت قرونًا

الدار/ إيمان العلوي

في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة الأمريكية للاحتفال بالذكرى الـ250 لتأسيسها عام 1776، تتجه الأنظار إلى واحدة من أقدم وأعمق العلاقات الدبلوماسية التي ما تزال مزدهرة حتى اليوم: الصداقة التاريخية التي تجمع بين المملكة المغربية والولايات المتحدة.

لقد كان المغرب أول دولة في العالم تعترف رسميًا باستقلال الولايات المتحدة، وذلك سنة 1777، في خطوة دبلوماسية جريئة وغير مسبوقة آنذاك. هذا الاعتراف جاء في وقت كانت فيه القوى الكبرى في العالم – وعلى رأسها الإمبراطوريات الأوروبية – تتردد أو تتجاهل الكيان الأمريكي الوليد. ولكن السلطان محمد الثالث، بحكمة farsight وبُعد نظر، قرر إدراج السفن الأمريكية ضمن مرسومه البحري الذي يضمن الحماية والتجارة الحرة مع موانئ المملكة، واضعًا بذلك أول حجر في بناء علاقة استراتيجية امتدت لما يقارب القرنين ونصف.

وقد تُوّج هذا الاعتراف التاريخي في عام 1786 بتوقيع معاهدة الصداقة والسلام بين البلدين، وهي أقدم معاهدة صداقة ما تزال سارية المفعول في التاريخ الأمريكي. وهي لا تزال تُدرّس في الجامعات الأمريكية كنموذج فريد للعلاقات المبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

على مدى العقود التالية، لم تكن هذه العلاقة مجرد وثيقة رسمية أو مجاملة دبلوماسية، بل شراكة قائمة على التعاون العسكري، والاقتصادي، والثقافي، والأمني. المغرب احتضن أولى البعثات الدبلوماسية الأمريكية في العالم، وتطورت العلاقات لاحقًا لتشمل مجالات أوسع مثل مكافحة الإرهاب، وتبادل الخبرات في الطاقة المتجددة، والتعليم، والتكنولوجيا، بل وحتى التعاون في الفضاء.

المملكة المغربية، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، تواصل لعب دور محوري في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان، كما أنها تُعد حليفًا استراتيجيًا موثوقًا لواشنطن في القارة الإفريقية والعالم العربي.

من جانبها، تثني الولايات المتحدة بشكل مستمر على جهود المغرب في العديد من الملفات الدولية، وعلى رأسها دعم السلام في الشرق الأوسط، ومكافحة التطرف، وتشجيع التنمية المستدامة في إفريقيا. كما تتعزز العلاقات من خلال المبادرات المشتركة، مثل الحوار الاستراتيجي الأمريكي-المغربي، وبرامج التبادل الثقافي والجامعي، والتعاون الدفاعي القائم على اتفاقيات متقدمة.

في ظل هذه الخلفية التاريخية العريقة، وفي أجواء الاحتفاء الأميركي بمئوية استقلالها الثانية ونصف، تعود قصة المغرب والولايات المتحدة إلى الواجهة، لا كفصلٍ من الماضي، بل كركيزة من ركائز المستقبل.

هذه الشراكة، التي وُلدت من رؤية بعيدة لسلطان حكيم ودولة ناشئة، باتت اليوم نموذجًا يُحتذى به في العلاقات الدولية الحديثة. إنها شهادة حية على أن الاحترام، والثقة، والمصالح المشتركة، قادرة على بناء تحالفات تصمد أمام الزمن.

زر الذهاب إلى الأعلى