الجزائر تُزوّر المواقف الدولية لتبرير عزلتها في قضية الصحراء المغربية

الدار/ غيثة حفياني
أقدم الرئيس عبد المجيد تبون خلال زيارته الأخيرة إلى روما على تصريح مثير للجدل، زعم فيه أن إيطاليا تدعم ما سماه بـ”حق تقرير المصير للشعب الصحراوي”. لكن سرعان ما تكشّف زيف هذا الادعاء، إذ خلت البيانات الرسمية الصادرة عن الرئاسة والحكومة الإيطالية من أي إشارة إلى هذا الموضوع، لتؤكد مجددًا أن الجزائر باتت تلجأ إلى اختلاق المواقف حين تعجز عن تحقيق المكاسب في الساحة الدولية.
لم تعد تصريحات المسؤولين الجزائريين مجرد تعبير عن مواقف مبدئية، بل تحولت إلى محاولات مكشوفة للتضليل، في ظل تراجع الدعم الدولي لأطروحة “الانفصال” التي تدافع عنها الجزائر بشأن الصحراء المغربية. ومع اتساع رقعة الاعترافات بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية — سواء من قِبَل الولايات المتحدة، أو عبر افتتاح أكثر من 30 قنصلية في العيون والداخلة — تجد الجزائر نفسها أمام معضلة حقيقية: عجزها عن إقناع المجتمع الدولي، وحتى أقرب شركائها الأوروبيين، بصحة موقفها.
خلال زيارته إلى إيطاليا، أدلى تبون بتصريح مفاده أن الحكومة الإيطالية تؤيد “حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره”، في ما بدا محاولة لتسجيل انتصار دبلوماسي على الورق. غير أن المراقبين لاحظوا أن البيان المشترك الذي أعقب اللقاءات الرسمية لم يتضمن أي إشارة إلى قضية الصحراء أو مبدأ “تقرير المصير”، ما جعل التصريح الجزائري موضع تشكيك واسع.
وسرعان ما تناقلت وسائل إعلام أوروبية ومغربية هذا التناقض الصارخ، معتبرة أن غياب الموقف الإيطالي عن الوثائق الرسمية دليل قاطع على أن الجزائر اختارت، مجددًا، نهج التزييف بدلًا من الإقناع.
ما تقوم به الجزائر اليوم هو، بحسب محللين دوليين، انعكاس لفشل ذريع في إدارة ملف خارجي حساس مثل قضية الصحراء. فعوض أن تعيد تقييم مواقفها على ضوء التطورات الجيوسياسية، تلجأ إلى خطاب إنشائي وشعارات قديمة، بل وأحيانًا إلى “تلفيق” مواقف لا وجود لها سوى في تصريحات مسؤوليها.
وفي هذا السياق، اعتبر الباحث الفرنسي Jean-Yves Moisseron أن الجزائر “لم تعد قادرة على تغيير المعادلة الدبلوماسية لصالحها، فتلجأ إلى سياسة الصوت العالي لتغطية الفراغ الاستراتيجي”.
بالعودة إلى الموقف الإيطالي الرسمي، فهو لم يسبق له أن خرج عن إطار دعم جهود الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي واقعي ومقبول من الأطراف لقضية الصحراء. إيطاليا، كغيرها من دول الاتحاد الأوروبي، تلتزم الحذر في تصريحاتها، وتحرص على الحياد الإيجابي بما ينسجم مع قرارات مجلس الأمن. وبالتالي، فإن زعم الجزائر بأن روما تؤيد “الانفصال” لا يتجاوز كونه محاولة لإضفاء الشرعية على موقفها المهزوم دوليًا.
في المقابل، يواصل المغرب حصد المكاسب السياسية والدبلوماسية في هذا الملف، مدعومًا بقرارات أممية تعتبر مبادرته للحكم الذاتي “جادة وذات مصداقية”، وبعلاقات استراتيجية مع قوى عالمية كأمريكا وفرنسا وإسبانيا، فضلًا عن تحالفات إفريقية وعربية واسعة تدعم وحدة ترابه الوطني.
إن المشهد العام يؤكد أن الجزائر لم تعد تمتلك أوراق الضغط التي كانت تعول عليها سابقًا، فاختارت أن تسد فراغها بالعناوين الزائفة والتصريحات الملفّقة، متناسية أن الحقيقة الدبلوماسية لا تصنعها الأكاذيب، بل تبنى على المصداقية والتوازن والواقعية.