الملكسلايدر

عيد العرش : ربع قرن من التنمية والإصلاح في حكم محمد السادس نصره الله

بقلم / ياسين المصلوحي

يخلد المغاربة ذكرى عيد العرش المجيد في 30 يوليوز من كل سنة، كمناسبة لتجديد الروابط المتينة والبيعة الشرعية التي تشكل تعاقدًا سياسيًا ومدنيًا ودينيًا بين الرعية والسلطان، قائمًا على الرضا والشرعية، وتكون أحد أوجه الاستثناء المغربي في نظام الحكم، حيث تقوم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بالإضافة إلى الروابط القانونية، على روابط معنوية غائبة عن النصوص القانونية، إلا أنها متجذرة في الثقافة السلطانية وتكرس شرعية ومشروعية الحكم والحاكم.

ذكرى عيد العرش لهذه السنة تأتي في سياق مختلف، حيث تشكل السنة الأولى بعد ربع قرن من تربع الملك محمد السادس، نصره الله، على عرش أسلافه المنعمين، وتشكل محطة لتقييم ما تم إنجازه خلال جيل كامل. انطلقت بإصلاحات سياسية وحقوقية يمكن وصفها بأنها أعمق الإصلاحات وأكثرها نجاعة في تاريخ المغرب الحديث، عبر تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة، التي تعتبر نقطة انعطاف في المسار الحقوقي المغربي، ومحاولة المصالحة مع الماضي والقطع مع بعض الممارسات والانتهاكات التي كانت تشكل وصمة عار في التاريخ المغربي.

ثم جاءت توجيهات جلالة الملك لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية، ووضع تصور جديد لمدونة الأسرة التي تعتبر نواة المجتمع، وإعطائها الأهمية التي تستحق لبناء مجتمع مغربي متماسك، تتساوى فيه المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، مع ضمان المصلحة الفضلى للطفل. ولم يكد ينتهي ربع قرن من حكم عاهل البلاد حتى أمر بإعادة النظر في هذه المدونة نفسها لتواكب تطورات المجتمع.

كما أنه أولى أهمية بالغة للعنصر البشري، وجعله عماد تنمية الوطن، عندما أطلق جلالته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي تصبو إلى تثمين الفرد ودمجه في تنمية المجتمع، والرفع من مردوديته ونجاعته، وجعل المواطن حجر أساس كل البرامج التنموية، حيث لا تقدم للبلاد دون انعكاس ذلك على مستوى عيش الأفراد وراحتهم. وهو ما ظل مستمرًا إلى غاية الوصول إلى حقبة الدولة الاجتماعية، التي رسمتها السياسة العامة، والتي تحاول الحكومات تنزيلها لتحقيق الأهداف المبتغاة منها.

اهتمام صاحب الجلالة بالسياسة الداخلية للمغرب لم يشغله عن السياسة الخارجية، التي تطورت بشكل ملحوظ من خلال انفتاح كبير على القارة السمراء، وكسب العديد من الحلفاء سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، والعودة إلى حضن منظمة الاتحاد الإفريقي، وتشجيع الاستثمارات في مجموعة من البلدان، إضافة إلى ربط الجسور وتقويتها مع بعض الدول الجديدة مثل الصين والهند وروسيا…

أوراش وغيرها، سطرها صاحب الجلالة بقيادته الرشيدة وتوجيهاته السامية لتنمية وتطوير البلاد، خصوصًا على مستوى البنية التحتية، عبر توسيع شبكات الطرق السيارة، والخطوط السككية التي ارتقت من السكك الحديدية العادية إلى سكك حديدية لقطارات فائقة السرعة، وتشييد الموانئ المصنفة، كميناء طنجة المتوسطي.

على المستوى السياسي، تُعتبر تجربة الربيع العربي التي لامست المجتمع المغربي، والطريقة الرزينة والحكيمة التي تمت بها معالجة المطالب والتجاوب معها، أحد أوجه الخصوصية المغربية؛ حيث خرجت المظاهرات بطريقة سلمية دون قمع ولا تضييق من السلطات، كما أن احتجاجات الشارع كانت منظمة ودون تخريب، وهو ما أدى إلى ولادة دستور مغربي جديد، بروح مفعمة بالحقوق والحريات والضمانات والمبادئ الكونية التي تم تكريسها وإعطاؤها مكانة تليق بها، وترقى بالوضع العام في المغرب. تُوج هذا التوجه بـ دستور يوليوز 2011، الذي يبقى من بين أهم المحطات السياسية في عهد محمد السادس.

مشاريع وبرامج تنموية، وأفكار طموحة للانتقال بالمغرب إلى مصاف الدول النامية، وتكريس قيم الديمقراطية، وتحسين مستوى عيش الأفراد، وتثبيت السيادة المغربية داخليًا وخارجيًا، وتثمين الرأسمال البشري الذي يُعتبر عصب التنمية في كل المجتمعات… تبقى فقط الحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية من طرف باقي الفرقاء، والسير بنفس النسق والسرعة التي تسير بها المؤسسة الملكية، لمسايرة إيقاع الأوراش، ورغبة الإصلاح، وتحقيق التنمية.

ياسين المصلوحي

زر الذهاب إلى الأعلى