
الدار/ إيمان العلوي
تحل الذكرى السادسة والعشرون لاعتلاء جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، عرش المملكة، في ظرفية وطنية ودولية دقيقة، تجعل من هذا الموعد محطة تأمل عميقة في ما تحقق، وفرصة لتجديد الالتزام الجماعي بمواصلة المسار التنموي الذي تقوده المؤسسة الملكية بثبات وبعد نظر.
لقد رسّخ عيد العرش مكانته كمناسبة وطنية تتجاوز مظاهر الاحتفال إلى لحظة وفاء لمسار ملكي استثنائي، صنع خلال ربع قرن مغربًا جديدًا، بثقة شعبية راسخة، وبمشاريع هيكلية غيرت وجه البلاد، وبسياسة خارجية أعادت تموقع المملكة كقوة إقليمية تحظى بالاحترام.
منذ سنة 1999، انخرط المغرب تحت القيادة الملكية في مسار إصلاحي عميق شمل كل المستويات، وجعل من التنمية خيارًا استراتيجيًا لا رجعة فيه. مشاريع كبرى رأت النور، من طنجة إلى الداخلة، جعلت من المغرب نقطة التقاء عالمية في ميادين التجارة واللوجستيك والطاقة المتجددة، في مقدمتها ميناء طنجة المتوسط، ومركب “نور” للطاقة الشمسية، ومشروع أنبوب الغاز مع نيجيريا، الذي يعكس طموح المملكة إلى بناء شراكات إفريقية جنوب–جنوب قائمة على المصالح المشتركة. ولم يكن اختيار المغرب كشريك في تنظيم كأس العالم 2030 مع إسبانيا والبرتغال سوى تتويج طبيعي لمسار من الثقة الدولية والقدرة التنظيمية والبنية التحتية المتطورة.
في موازاة هذه الطفرة الاقتصادية، لم تغب العدالة الاجتماعية عن أولويات المشروع الملكي. فقد تم إطلاق إصلاحات جريئة، من تعميم الحماية الاجتماعية إلى تأهيل المنظومة الصحية والتعليمية، مرورًا بتعزيز التماسك الاجتماعي والحد من الفوارق المجالية، ما يعكس رؤية تجعل من المواطن محور كل السياسات العمومية، وتؤمن بأن تنمية الأوطان تبدأ من كرامة الإنسان.
وعلى المستوى الدبلوماسي، استطاع المغرب بقيادة جلالة الملك أن يحقق مكاسب استراتيجية في ملف الصحراء المغربية، من خلال سياسة تقوم على الشرعية والمصداقية والوضوح. فقد ارتفع عدد الدول الداعمة لمقترح الحكم الذاتي، وافتتحت عشرات القنصليات في الأقاليم الجنوبية، وهو ما يُعدّ اعترافًا ضمنيًا بمغربية الصحراء، في وقت تستمر فيه المملكة في الدفاع عن وحدتها الترابية بإيمان هادئ وقوة دبلوماسية ذكية.
إن عيد العرش، بكل ما يحمله من رمزية، ليس فقط احتفاءً بمؤسسة ملكية ضامنة لوحدة الوطن واستقراره، بل هو لحظة لتجديد البيعة لمسيرة وطن يقوده ملك يراهن على المستقبل، ويؤمن أن التحديث لا يتناقض مع التقاليد، وأن السيادة لا تتجزأ، وأن قوة المغرب في وحدته وتنوعه، وفي العلاقة المتينة بين العرش والشعب. وفي عالم تتزاحم فيه التحديات، يواصل المغرب، تحت راية جلالة الملك، مساره بثقة ورؤية، ويؤكد أن زمن التبعية قد ولى، وأن صوت الشعوب لا يُكتم، وأن التاريخ لا يُصنع بالصدفة، بل بالإرادة والعمل والاستشراف.