
الدار :محمد الحبيب هويدي
عاد الجدل من جديد إلى الواجهة في جهة الداخلة وادي الذهب، بعد القرار الذي أصدرته كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري والقاضي بمنع صيد الحبار (السيبيا) جنوب سيدي الغازي، مع استمرار السماح به شمال المنطقة. القرار أثار موجة من التحفظات وسط عدد من مهنيي الصيد التقليدي وفعاليات المجتمع المدني البحري، الذين اعتبروا أن القرار يُكرّس تمييزًا مجاليًا غير مبرّر، ويفتقر إلى الشفافية في التبرير والتطبيق.
يرى المحتجون أن القرار الأخير لا يعكس الواقع البيئي والاقتصادي الحقيقي الذي تعرفه مصايد الجهة، ويُقصي الصيد التقليدي الذي لا يمثل – حسب تصريحاتهم – سوى نسبة هامشية من المصطادات. فبحسب معطيات مهنيين، لم تتجاوز كميات الحبار التي يصطادها الأسطول التقليدي 273 طنًا سنويًا، مقابل أزيد من 6000 طن تُصطاد من طرف أساطيل الصيد في أعالي البحار. نفس الفجوة تُسجّل في الكلمار، حيث يحقق الصيد التقليدي حوالي 275 طنًا، مقابل 3000 طن لدى الصناعي.
ورغم تواضع هذه الأرقام، يصرّ المهنيون على أن أثر الصيد التقليدي يتجاوز الأرقام، بحكم دوره الاجتماعي في تشغيل اليد العاملة المحلية ودينامية الاقتصاد القائم حوله. كما اعتبروا أن احتفاظ الصيد الساحلي بحق صيد الحبار في نفس الفترة التي يُمنع فيها على الصيد التقليدي، يطرح علامات استفهام حول توازن تدبير المصايد.
الانتقادات لم تتوقف عند حدود القرار، بل طالت أيضًا الرقابة على الصيد الصناعي، وبالخصوص سفن RSW، التي تُتّهم من طرف الفاعلين التقليديين بارتكاب تجاوزات في الكميات المصطادة وعدم احترام فترات الراحة البيولوجية، دون أن تُواجه بنفس مستوى التشدد في المراقبة. أكثر من ذلك، عبّر المحتجون عن استغرابهم من توجيه الغرامات المفروضة على المخالفين من الصيادين التقليديين نحو حساب خاص تابع للمنطقة الجنوبية للقوات المسلحة الملكية، بدل الخزينة العامة للدولة، ما أثار جدلًا قانونيًا وأخلاقيًا حول طرق تدبير الموارد المالية الناتجة عن قطاع يفترض أنه اقتصادي وتنموي بالدرجة الأولى.
في المقابل، تؤكد مصادر من قطاع الصيد البحري أن القرار الأخير يستند إلى خلاصات علمية صادرة عن المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري (INRH)، الذي نبه في تقاريره الأخيرة إلى تراجع مؤشرات المخزون، خاصة جنوب سيدي الغازي، ما استدعى اتخاذ تدابير احترازية لحمايته. ويُضيف ذات المصدر أن التمييز بين المناطق لا يُفهم باعتباره إقصاءً، بل إجراءً تقنيًا مؤسسًا على البيانات البيولوجية لكل منطقة، في أفق الحفاظ على توازن المخزون وضمان استدامته، كما يجري العمل على توسيع منظومة المراقبة الإلكترونية (مثل الكاميرات على متن السفن)، لضمان احترام القانون من طرف جميع الفاعلين، دون استثناء.
وسط هذا الجدل، تتقاطع آراء المهنيين حول مطلب مشترك يتمثل في مراجعة شاملة لمخطط تهيئة مصايد الأخطبوط المعتمد منذ سنة 2004. هذا المخطط، الذي كان يُعتبر عند إطلاقه تجربة رائدة في العالم العربي والإفريقي، لم يعرف أي تعديل جذري يتماشى مع التحولات البيئية والتقنية والاجتماعية التي شهدها القطاع منذ عقدين. ويعتبر الفاعلون أن استمرار العمل بهذا المخطط كرّس احتكارًا فعليًا للثروة البحرية من طرف مكوّنات معينة على حساب أخرى، داعين إلى إدماج البُعد الاجتماعي والمجالي في أي عملية تقييم أو إصلاح مرتقب.
المشهد العام يعكس مرة أخرى حالة التوتر المزمن بين الواقع الميداني لقطاع الصيد، وبين منطق التدبير المركزي المبني على المعطى العلمي. ففي حين تُصر الإدارة على التزامها بالمعايير البيئية والاستدامة، يطالب المهنيون بمزيد من الإنصاف المجالي والعدالة الاقتصادية والاجتماعية. وفي ظل التحديات البيئية المتزايدة، وتقلّب المخزونات البحرية، يبقى الحوار المؤسساتي الشفاف بين مختلف الأطراف المعنية هو السبيل الوحيد لبناء نموذج تدبير متوازن، يراعي حماية الثروة البحرية دون أن يُقصي من يعيش منها.