أخبار الدارالملكسلايدر

خطاب ردم الهوة بين الهامش والمركز.. الملك يدعو لإنصاف سكان الجبال والقرى والسواحل

خطاب ردم الهوة بين الهامش والمركز.. الملك يدعو لإنصاف سكان الجبال والقرى والسواحل

بقلم: رشيد عفيف

من المؤكد أن الخطاب الملكي في افتتاح الدورة التشريعية كان مثلما هي العادة مرتبطا تمام الارتباط بالسياق والظرفية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمرّ بها بلادنا. فالرسائل المختصرة والدقيقة التي تضمنها وضعت الأصبع على الداء، وحسمت الكثير من التساؤلات التي كان البعض يطرحها في الآونة الأخيرة منذ بداية الاحتجاجات التي قادها شباب جيل زِد. ليس هناك مجال للدخول في أيّ جدل، لكن الإشارات الواضحة تؤكد التجاوب الصريح للملك مع هذه المطالب الشبابية.
هناك أربع قضايا رئيسية أثارها الملك وبدت بمثابة عصب هذا الخطاب الملكي: التنمية المحلية وملف التعليم وقطاع الصحة ثم مجال التشغيل. والمتأمل لهذه الملفات يدرك جيدا أنها تعكس بدقة الشعارات التي ارتفعت في شوارع مختلف المدن المغربية مؤخرا على لسان المحتجين الشباب. ولعلّ التركيز الكبير على مطلبي العدالة الاجتماعية والمجالية يُظهر إلى أيّ حد تتماهى الرؤية الملكية مع التوقعات الشعبية التي كانت تترقّب منذ أيام هذا الخطاب باعتباره خطاب الحسم والتوجيه الذي يمكن أن ينهي أيّ توتر أو جدل.
لكن لا بد من التذكير أولا بضرورة رفع اللبس عن بعض المطالب المغلوطة التي اخترقت الكثير من الشرائح والمنصات في الآونة الأخيرة، ولا سيّما النظرة التجزيئية والانتقائية لبرامج التنمية الشاملة. في هذا السياق بدأ جلالة الملك خطابه بإشارة قوية عندما أكد على ضرورة تجنّب أيّ “تناقض أو تنافس بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية، ما دام الهدف هو تنمية البلاد وتحسين ظروف عيش المواطنين، أينما كانوا”. هذا يعني أن كل التحليلات التي كانت تعتبر فتح ورش تنظيم كأس العالم وبناء المنشآت الرياضية يتم على حساب التنمية الاجتماعية والاقتصادية ليست دقيقة وفي حاجة إلى تصويب واستعادة للقراءة المتأنية والسليمة.
هذا ما دفع الملك محمد السادس إلى تعزيز هذه القراءة بنقد موضوعي لمسألة التواصل بين المؤسسات والمواطنين. من الواضح أن الملك يريد أن يحمّل الجميع مسؤولياتهم في هذا الإطار، بما في ذلك المنتخبون والأحزاب سواء على الصعيد المركزي أو المحلي. هذا يعني أن الأوراش التنموية التي تدشنها الحكومة أو البرامج التي تطلقها تحتاج إلى مجهود كبير على مستوى التعريف بها وتنوير الرأي العام بخصوص مدى التقدم في تحقيقها. على سبيل المثال هناك مشاريع كبرى على مستوى بناء وتجهيز العديد من المستشفيات الجامعية في مدن مختلفة، لكن الحكومة تقاعست كثيرا فيما يتعلق بتوضيح مدى التقدم في إنجازها أو تحديد الآجال المتبقية لتدشينها رسميا.
لكن الأمر لا يقتصر فقط على القُصور التواصلي الواضح، بل هناك أيضا تأخر كبير على مستوى تنفيذ البرامج التنموية المحلية، ولا سيّما في مجال تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية. وفي هذا الإطار يلحّ جلالة الملك محمد السادس على دور الفاعلين المحليين، الذين تتيح لهم برامجهم التنموية تجاوز الزمن الحكومي والبرلماني. الزمن الحكومي والبرلماني محكوم بالأجندات الدستورية البيروقراطية أحيانا، أما الزمن المحلّي فهو محكوم أساسا بالاحتياجات الملحّة للمواطنين. هذه الإشارة جدّ مهمة من حيث التقييم والتشخيص الدقيق للأزمة الحالية. فعلى ما يبدو يسعى جلالة الملك من خلال ذلك إلى التأكيد على أن نموذج الحكامة المطبّق حاليا يجب أن يعيد الاعتبار للمؤسسات المحلية، مثل المجالس الجماعية والسلطات المحلية.
وهذا التقييم الذي يعيد طرح إشكالية من إشكاليات الحكامة الرئيسية في بلادنا يستند كما هو واضح إلى التوزيع الجغرافي للاحتجاجات التي شهدها المغرب مؤخرا. بعبارة أوضح لا مجال هنا للتأكيد على أن جانبا مهما من هذه الاحتجاجات راجع بالأساس إلى الفوارق المجالية، ولعلّنا لاحظنا كيف كانت الاحتجاجات في بعض المراكز الحضرية الصغيرة والمهمّشة هي الأكثر عنفا وشراسة مقارنة بما شهدته المدن الكبرى على سبيل المثال. لذلك جاءت التوجيهات الملكية المباشرة منصبّة بالأساس على ردم هذه الهوة التنموية القائمة بين المركز والهامش.
في هذا الإطار دعا جلالة الملك إلى إعطاء عناية خاصة للمناطق الأكثر هشاشة، بما يراعي خصوصياتها وطبيعة حاجياتها، وخاصة مناطق الجبال والواحات. كما أوصى بضرورة إعادة النظر في تنمية المناطق الجبلية، التي تغطي 30 في المئة من التراب الوطني، وتمكينها من سياسة عمومية مندمجة تراعي خصوصياتها ومؤهلاتها الكثيرة. وهنا نلاحظ مرة أخرى أن هذا التوجيه الملكي يعدّ صدىً مباشرا للصوت الاحتجاجي الذي رفعه سكان مناطق جبلية عديدة ولا سيّما في منطقة آيت بوكماز خلال شهر يوليوز الماضي، حيث كان من أهم مطالبهم إصدار القانون الخاص بالتنمية الجبلية.
تركيز الخطاب الملك على الجبال والسواحل والقرى في إطار خارطة طريق مركّزة ومباشرة يؤكد مرة أخرى أن الاستجابة لنبض الشارع كانت سريعة ومباشرة. وهذا يُظهر أن هذه القراءة الملكية لما حدث مؤخرا تضمنت مرة أخرى وعيا خاصا وإلماما دقيقة بحقيقة الأزمة الاجتماعية والتنموية التي تعيشها بلادنا. فبقاء شرائح واسعة من سكان هذه المناطق المهمشة خارج دائرة الاستفادة من المشاريع التنموية وقطف ثمارها يمثل التحدّي الأكبر الذي يواجه الحكومة والمجالس المنتخبة ومختلف المؤسسات التنفيذية والتشريعية في بلادنا.

زر الذهاب إلى الأعلى