
الدار/ إيمان العلوي
بفضل الرؤية المتبصّرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، حققت الدبلوماسية المغربية نصراً تاريخياً بعد أن كرّست الأمم المتحدة مغربية الصحراء، معترفة بمخطط الحكم الذاتي كحلّ وحيد وواقعي للنزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية. هذا القرار الأممي جاء ليكلّل سنوات من العمل الدبلوماسي المتوازن الذي قاده جلالة الملك شخصياً، معتمداً على رؤية قائمة على الحزم والوضوح والانفتاح في الوقت نفسه، فحوّل القضية من نزاع إقليمي إلى ملف محسوم في إطار الشرعية الدولية.
التحرك المغربي المتواصل منذ مطلع الألفية مكّن من بناء جبهة دعم قوية شملت قوى دولية كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة، وهي دول اعتبرت مشروع الحكم الذاتي المغربي المبادرة الأكثر جدية وواقعية ومصداقية. فالولايات المتحدة كانت أول قوة عظمى تعترف رسمياً بسيادة المغرب على صحرائه في ديسمبر 2020، وهو موقف ثابت في مختلف الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بينما أكدت فرنسا أكثر من مرة دعمها الكامل للمبادرة المغربية باعتبارها الإطار الأمثل لحل النزاع، وهو ما عبّر عنه الرئيس إيمانويل ماكرون في اتصالاته الأخيرة مع جلالة الملك. أما الإمارات فقد عززت هذا الموقف بفتح قنصلية عامة في مدينة العيون، لتكون أول دولة عربية تقوم بهذه الخطوة ذات الرمزية السيادية الواضحة، تبعتها بعدها دول عربية وإفريقية عديدة.
وفي السياق نفسه، تشهد العلاقات المغربية البريطانية تطوراً لافتاً يعكس استعداد لندن للالتحاق بركب الدول الداعمة لمغربية الصحراء، خصوصاً بعد أن أشادت الخارجية البريطانية مراراً بجهود الرباط الجادة والواقعية، ما يعزز التوجه نحو اعتراف رسمي في المستقبل القريب. هذا التحول في مواقف القوى الكبرى يعكس نجاح الدبلوماسية الملكية في بناء شبكة تحالفات قوية تقوم على الثقة والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
أما على الجانب المقابل، فقد شكل القرار الأممي الأخير ضربة موجعة للجزائر وجبهة البوليساريو، اللتين ظلّتا تراهنان لعقود على خطاب تجاوزه الواقع. فاليوم، لم يعد هناك أي حديث عن “تقرير المصير” أو “الاستفتاء”، بل أصبح النقاش منصباً حول كيفية تنزيل مشروع الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية الكاملة. ووفق تحليل الخبير في العلاقات الدولية الدكتور تاج الدين الحسيني، فإن هذا القرار يمثل “انتصاراً دبلوماسياً غير مسبوق للمغرب وتكريساً لمبدأ الشرعية الدولية”.
إن اعتراف الأمم المتحدة بمغربية الصحراء لا يكرّس فقط انتصاراً دبلوماسياً للمملكة، بل يؤكد أيضاً نجاح المقاربة الملكية القائمة على التنمية، والاستثمار، وإشراك سكان الأقاليم الجنوبية في تدبير شؤونهم المحلية. وبهذا، يدخل المغرب مرحلة جديدة من ترسيخ وحدته الترابية وبناء مغرب موحد من طنجة إلى الكويرة، تحت قيادة ملك يجمع بين الرؤية الاستراتيجية والحكمة الدبلوماسية والتمسك الثابت بالسيادة الوطنية.






