أخبار الدار

خطاب العرش.. هل هي الفرصة الأخيرة لحفظ ماء وجه إسلاميي البيجيدي؟

بوشعيب حمراوي

مرة أخرى يضع الملك محمد السادس، سعد الدين العثماني أمام اختبار انتقاء طاقات وكفاءات وكوادر لتشكيل حكومة قادرة على فك أزمة التنمية، وإنصاف المغاربة (كل المغاربة). ويمهله شهرا كاملا. علما أن العثماني، حكيم حزب المصباح، الذي قرأ كتب الفقه والسيرة النبوية والتاريخ وعلم النفس، سبق له أن استفاد من كتاب (كيف تشكل الحكومات في ظرف 15 يوما). وأخرج حكومة في ظرف أسبوعين، بعدما استعصت على زميله عبد الإله بنكيران لمدة جاوزت الخمسة أشهر. إلا أن كفاءات وقدرات أعضاء حكومته، لم تكن في مستوى تطلعات الشعب المغربي.

 هي فرصة ثانية، تمنح للعثماني، وثالثه لحزبه الذي عرف كيف يمتص رحيق الحراك العربي، ونسمات حركة 20 فبراير. وظهر بمظهر الفارس المنقذ. فرصة من أجل إصلاح ما أفسدته الحكومة الحالية والسابقة، وما ترك من فساد قديم، وزاد عفنه. الكل يعلم أن العثماني عين شهر مارس 2017، لفك (البلوكاج) الحكومي، الذي تركه زميله بنكيران. والكل يعلم أنه اعتمد أسلوب (البريكولاج)، بعد أن تعذر عليه التخلص من سماسرة وقناصة الحقائب الوزارية، الذين ملهم الشعب المغربي، ودخلوا مرحلة (البوراج)، وباتوا من المتلاشيات السياسية التي لا تصلح لإعادة استعمالها أو تدويرها. وخصوصا أنه خير حينها بين تشكيل الحكومة في ظرف أسبوعين، أو الخروج من الباب الذي سلكه زميله بنكيران.

 لكن العثماني اختار عن رضا وطواعية حكومة البريكولاج، بدلا من إعلان الفشل و الانسحاب. علما أن الرجل له من الكفاءة ما يجعله عالما وفاطنا للخيارين. ويتحمل المسؤولية كاملة. سلسلة لقاءات خفيفة أولية مع زعماء الأحزاب السياسية المعنية بالتشكيل الحكومي. كانت كافة لتلقيه الضوء الأخضر. تصريحات داعمة ومطمئنة من هؤلاء الذين أوقفوا حال رئيس الحكومة السابق. ولسان حال كل واحد منهم يردد عبارة (طالب راغب في الاستوزار). ليتمكن من تشكيله حكومته الحالية.

اختار أسلوب الترقيع عوض الإعلان الرسمي عن فشل الحزب المتصدر للانتخابات التشريعية في إيجاد حلفاء من داخل قبلة البرلمان. والذي لا حل بعدها دستوريا سوى إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية للرابع من شتنبر 2016، وحل البرلمان، وإعلان الملك عن موعد لانتخابات تشريعية جديدة. وهو (أبغض الحلال) الذي يمكن اعتماده، بالنظر إلى ما يلزمه من أموال باهضة، وما يتسببه من ضياع للزمن وتعليق وشلل للتنمية.

ولو خير الشعب حينها (بعيدا عن الدستور). بين إعادة الانتخابات أو تشكيل حكومة تصريف أعمال أو حكومة تكنقراط حتى.. لصفق الشعب للخيار الأخير..باعتبار أن صناديق الاقتراع لم ترقى بعد إلى ما يصبو إليه المغاربة من انفتاح  ديمقراطي. وأنها لا تفرز الكفاءات والكوادر..ولن تزيد الوضع إلا سوءا..

بعد حوالي ثمان أشهر من تعيين العثماني رئيسا للحكومة (شهر مارس 2017)، افتتح الملك محمد السادس (شهر أكتوبر 2017)، السنة التشريعية، بخطاب ألقاه أمام أعضاء مجلسي البرلمان، كان من أهم ما أكد عليه، هو (دعوة الحكومة والبرلمان ومختلف المؤسسات والهيئات المعنية، كل في مجال اختصاصه لإعادة النظر في النموذج التنمية القائم)، مؤكدا أنه لم يعد يمكن المغرب من الحد من الفوارق الاجتماعية وضمان تنمية شاملة.

ونحن الآن وبعد مضي حوالي سنتين على طلب الملك، لم تبادر أية جهة بتقديم مشروع للنموذج التنموي الجديد. ولم نسمع رئيس الحكومة يجدد طلب الانكباب على إعداد المشروع، باستثناء بعض الندوات واللقاءات التي نظمتها بعض الأحزاب، والتي ظلت تحمل شعار (الشفوي الله يداوي). بل إن كل تصريحاته وخطاباته، تسير في اتجاه (العام زين) و(المغاربة سعداء)، وتعداد إنجازات ومكاسب لا يراها إلا هو وحاشيته.    

 لا أحد يشكك في قدرات العثماني على الاختراق السياسي، ولا في قدراته على الاستماع والتأني وامتصاص الغضب قبل الرد..ولا أحد يشكك في أن العثماني تلقى وعود الدعم والمساعدة قبل التعيين. وأن الكل عمل من أجل إلصاق (البلوكاج) السابق، بشخص بنكيران. وليس بالحزب الذي كان يعود إليه في كل صغيرة وكبيرة. ولا في أعضاءه وقياديه الذين كانوا يصفقون لكل مبادرة أو خطوة أو (حلقة) قام بها.. حتى ولو كانت مجرد (قهقهة) أو (شتيمة سياسي)، أو (نكتة حامضة)..

لكن لا أحد صدق أن كتاب (كيف تشكل الحكومات في 15 يوما) الذي اعتمده العثماني، قد ينفع رئيس الحكومة، في فك (بلوكاج بنكيران)، الذي عمر لمدة خمسة أشهر. وإفراز حكومة قادرة على النهوض بالبلاد والعباد. فالعثماني لم يتمكن سابقا من الحفاظ على حقيبة وزارة الخارجية والتعاون التي حملها لأشهر قليلة خلال ولاية  حكومة بنكيران الأولى.

نأسف لسعد الدين العثماني الأخصائي في الأمراض النفسية والعقلية، الذي قام بإغلاق عيادته بزنقة عمان حسان بالرباط العاصمة الإدارية للمغرب، بعد ثلاث سنوات من افتتاحها.بعد أن تم إعفاءه من منصب وزير الخارجية والتعاون في ظروف غامضة تقبلها بروح سياسوية. أغلق العيادة من جديد ليتفرغ للمنصب الحكومي.

ونأسف للمتضررين من هذا التعيين الحكومي، وأقصد فئة المرضى النفسانيين الذين كانوا يتابعون علاجهم بانتظام لدى رئيس الحكومة. والذين لاشك وجدوا صعوبة في تغيير وجهاتهم صوب عيادات أخرى. وإعادة التكيف والانسجام مع أطباء نفسانيين جدد. وربما تضاعفت أمراض بعضهم لما عاشوه مع طبيبهم في وظيفته الجديدة كرئيس الحكومة. 

 لكن ومن خلال المسار الحكومي الحالي، يتأكد أن الفائز الوحيد من هذا الهراء السياسي الذي أدخل البلاد في أزمة اقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية ورياضية و.. هو الطبيب سعد الدين العثماني، الذي لاشك بعد خروجه من الحكومة سيجد في انتظاره  أمام عيادته، قوافل من المغاربة، أصيبوا في فترة ولايته، بعقد واضطرابات نفسية.

العثماني لم يوفق حتى في التعامل الإيجابي كطبيب مع المغاربة، والإفصاح لهم، عن حقيقة ما يجري ويدور من تجاوزات واكراهات وعراقيل و..، أضرت بحقوقهم المشروعة في العيش الكريم.

  لم يكن الأمل أن يقوم العثماني بعلاج 34 مليون مغربي. بل كان المغاربة ينتظرون أن يصب علاجه صوب الزعماء والقياديين السياسيين داخل وخارج حزبه. فالمغاربة محبطون من تناوب وتداول نفس الوجوه الفاسدة والفاشلة على تدبير شؤونهم داخل السلطتين التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (البرلمان).

إنها الفرصة  الأخيرة لحزب العدالة والتنمية لحفظ ماء الوجه. وعلى رواده أن يكونوا في الموعد الملكي، وإلا عليهم الإعلان عن الفشل والانسحاب. أما الاعتذار فغير مقبول..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى