القضية الفلسطينية .. المغرب يجدد التأكيد على استعداده للانخراط في الجهود الدولية الرامية لتهيئة الظروف لإحياء مسار السلام في الشرق الأوسط (جلالة الملك)
القضية الفلسطينية .. المغرب يجدد التأكيد على استعداده للانخراط في الجهود الدولية الرامية لتهيئة الظروف لإحياء مسار السلام في الشرق الأوسط (جلالة الملك)

أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس أن “المملكة المغربية، ومن منطلق إيمانها الثابت والمتجذر بمركزية وعدالة القضية الفلسطينية، وتشبثها بخيار السلام العادل، وحرصا منها على استثمار الزخم الإيجابي الناجم عن اتفاق وقف إطلاق النار، تؤكد استعدادها للانخراط في الجهود الدولية الرامية لتهيئة الظروف لإحياء مسار السلام في الشرق الأوسط”.
وأوضح جلالة الملك في رسالة وجهها إلى رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، السيد كولي سيك، بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي يُحتفل به هذه السنة في 25 نونبر، أن هذه الجهود ينبغي أن تبذل ضمن معايير واضحة وأفق زمني معقول، بعيدا عن منطق تدبير الأزمة، مشيرا جلالته إلى أن الهدف الأسمى هو تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار لجميع شعوب المنطقة.
وفي هذا الإطار، ذكر صاحب الجلالة أنه بعد عامين من حرب مدمرة في قطاع غزة، أثمرت الجهود الدبلوماسية الدؤوبة والمكثفة اتفاقا لوقف إطلاق النار، “نأمل أن تنفذ جميع بنوده ومراحله”، لافتا جلالته إلى أن ذلك “سيمكن من وقف آلة التقتيل، والتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني الشقيق، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية بانسيابية وبالكميات الكافية”.
وأضاف جلالة الملك أن ذلك سيتيح أيضا “الإطلاق العاجل لعملية إعادة الإعمار وفتح الآفاق نحو حل سياسي عادل وشامل للقضية الفلسطينية”.
وبعد الترحيب بهذا التطور الإيجابي، حرص صاحب الجلالة على الإعراب عن تقديره للمساعي الحثيثة والانخراط الشخصي لفخامة الرئيس دونالد ترامب، الذي كان له الدور الحاسم في بلوغ هذا الهدف النبيل، مع تثمين “الجهود المستميتة لكافة الوسطاء”.
من جهة أخرى، أشار جلالة الملك إلى أن المملكة المغربية، وسيرا على نهجها الداعم للسلام، تؤكد استعدادها التام للمساهمة الفاعلة في كافة المراحل والمسارات المتفق عليها في إطار الاتفاق الأخير لوقف إطلاق النار.
وقال جلالته في هذا الصدد: “إننا إزاء لحظة فارقة، مفعمة بالأمل في مسيرة الشعب الفلسطيني الطويلة نحو الحرية والاستقلال، وجب استثمار كل فرصها وإمكانياتها، من خلال استمرار التعبئة الإقليمية والدولية لضمان تنفيذ كافة بنود هذا الاتفاق والمضي في جميع مراحله”.
وفي هذا السياق، أبرز صاحب الجلالة أن أي جهد دولي يروم تحقيق سلام عادل ومستدام، يجب أن يستند إلى المحددات التالية: ضمان وحدة قطاع غزة والضفة الغربية، سياسيا وإداريا، تحت إشراف السلطة الوطنية الفلسطينية، في أفق أن يشكلا معا جزءا لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المنشودة، وعاصمتها القدس الشرقية، ودعم السلطة الوطنية الفلسطينية، تحت قيادة فخامة الرئيس محمود عباس، وتعزيز قدراتها السياسية والإدارية والمالية.
ويتعلق الأمر أيضا – يضيف جلالة الملك- بدعم الاقتصاد الفلسطيني، من خلال رفع القيود المفروضة على حركة البضائع والأموال والأشخاص، وتشجيع جهود المصالحة الفلسطينية، لضمان وحدة الصف الوطني الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، إلى جانب إطلاق عملية تفاوض جادة بين الطرفين، وفق جدول زمني دقيق ومحدد، وضمن رؤية حل الدولتين، تكون غايتها إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش في أمن وسلام إلى جانب دولة إسرائيل.
كما أكد جلالة الملك أن الشعب الفلسطيني عانى، على امتداد السنتين الماضيتين، من أوضاع مريرة، فاقت في كثير من الأحيان ما يستطيع الانسان تحمله، مذكرا جلالته بأنه، ومن منطلق التضامن الثابت مع الشعب الفلسطيني، وتفاعلا مع الكارثة الإنسانية التي حلت به، بادرت المملكة المغربية في خمس مناسبات منذ أكتوبر 2023، إلى إرسال مساعدات إنسانية عاجلة إلى قطاع غزة، والتي شملت مواد غذائية ومياه ومواد إغاثية وأدوية ومستلزمات طبية.
وقال صاحب الجلالة إن آخر هذه المساعدات كان هو الجسر الجوي الذي تم على دفعتين ونقل بموجبه ما يقارب 300 طن من المساعدات الإنسانية، حيث جرى تأمين إيصال تلك المساعدات الإنسانية المغربية عبر طريق بري غير مسبوق.
من جهة أخرى، شدد جلالة الملك على أنه لا يمكن الحديث عن حل عادل ومستدام للقضية الفلسطينية دون معالجة جادة ومسؤولة لقضية القدس الشريف، لما تمثله المدينة المقدسة من رمزية قوية وحساسية عالية.
وإدراكا لهذا البعد – يتابع جلالته- “نواصل، بصفتنا رئيس لجنة القدس، المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، الجهود الحثيثة من أجل صون طابعها الحضاري الأصيل والحفاظ على وضعها القانوني والدفاع عن حرمة مقدساتها الإسلامية والمسيحية”.
وأكد صاحب الجلالة أن ذلك يتأتى “من خلال المزاوجة ما بين التحرك الدبلوماسي والعمل الميداني مجسدا في المشاريع الاجتماعية التي تنفذها وكالة بيت مال القدس الشريف”، معبرا جلالته عن انشغاله العميق إزاء تصاعد الإجراءات الاستفزازية الإسرائيلية الأحادية الجانب في مدينة القدس، والانتهاكات المتكررة لحرمة المسجد الأقصى.
وحذر جلالته من أن هذه الممارسات “تنذر، إذا استمرت، بأن تدخلنا في دوامة صراع ديني، قد يشعل، لا قدر الله، المنطقة برمتها”.
على صعيد آخر، أعرب جلالة الملك عن أسفه للوضع في الضفة الغربية، التي “تعيش واقعا لا يقل مأساوية وخطورة بفعل توسيع الاستيطان وتكثيف الاعتداءات اليومية ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، بغرض تهجير السكان الآمنين، في أفق فرض الضم الفعلي والقانوني، بما سينسف الأساس المادي لحل الدولتين”.
من جهة أخرى، أكد صاحب الجلالة أن الزخم العالمي المتزايد المؤيد لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة في إطار حل الدولتين، والذي تجسد في سلسلة الاعترافات الدولية المتواصلة بدولة فلسطين، يعزز الدينامية التي أطلقها التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين، بمبادرة من المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية.
وأبرز جلالة الملك أن هذا الزخم يعكس القناعة المتنامية بأنه لا بديل عن هذا الحل، ولا مجال لمزيد من المماطلة في تنزيله على أرض الواقع، موضحا جلالته أنه من منطلق الانخراط في هذه الدينامية ودعما لها، احتضنت المملكة المغربية، في شهر ماي 2025، الاجتماع الخامس للتحالف الدولي من أجل تنفيذ حل الدولتين، وذلك بشراكة مع مملكة الأراضي المنخفضة.
وخلص جلالة الملك إلى أن “حل الدولتين بات، إذن، مطلبا آنيا تفرضه الواقعية السياسية”، لافتا جلالته إل أن هذا الحل يكتسي أيضا بعدا إنسانيا وأخلاقيا يتمثل في “إنصاف شعب حرم، ولعقود، من حقوقه السياسية المشروعة ومن كرامته الإنسانية المكفولة بكل القوانين السماوية والوضعية”.






