فن وثقافة

أبدا.. لسنا أنيقين كأجدادنا..

الدار/ نعيمة أخزان

يعتقد الناس حاليا أنهم صاروا أكثر أناقة من الماضي، ربما لأنهم يرون صورا كثيرة بالأبيض والأسود من زمن مضى لرجال يرتدون الجلاليب السوداء أو الرمادية، ونساء ترتدين الحايْك على الخصوص.

لكن الحقيقة أن آباءنا وأجدادنا كانوا أكثر منا أناقة، ولنركز فقط على بعض المناسبات الاجتماعية أو الرياضية، والتي تعتبر اليوم من المناسبات التي يمكن فيها ارتداء أي شيء.

الذين يشاهدون صورا لملاعب الكرة في المغرب زمن الثلاثينات والأربعينات والخمسينات، وحتى بعد ذلك بقليل، يصابون بالدهشة. وتزداد دهشتهم أكثر حين يتطلعون إلى تفاصيل الجمهور الحاضر في هذه الملاعب. الناس في ذلك الزمن كانوا يرتادون ملاعب الكرة، كما لو أنهم يحتفلون بمناسبة خاصة. نساء ورجال في كامل الأناقة. أطفال يرتدون ملابس قشيبة وكأنهم في يوم عيد. رجال بجلاليب مغربية أو ببذلات أنيقة وربطات عنق وشعر مصفف. ابتسامات عريضة نابعة من القلب.

 ولو أن للصور رائحة لفاحت منها رائحة عطر أولئك الناس الذين كانوا يرتادون الملاعب كأنهم يرتادون عرسا، وهم خليط من المسلمين والنصارى واليهود، وبينهم أيضا هنود وجنسيات أخرى.

في كل المدن المغربية زمن الاستعمار وبعده بقليل، وخصوصا في المدن الكبرى كالرباط والدار البيضاء وطنجة ومراكش ومكناس وفاس ووجدة وغيرها، كان الناس يحتفون بالحياة كما يجب، وملاعب الكرة كانت جزءا من هذا الاحتفاء، وكثير من الأسر كانت تصحب أطفالها لملاعب الكرة في ذلك الزمن الجميل.

في ذلك الزمن الجميل، كان الناس يقفون في الطابور وكل واحد يشتري تذكرته ويجلسون في الملعب بوقار مدهش، رغم سوء الحال وتواضع الملاعب في ذلك الزمن مقارنة بما هو عليه الحال اليوم.

في أيامنا هذه يعتبر التأنق من أجل الذهاب إلى الملعب حماقة، وفي كثير من الملاعب لا يغامر رب أسرة أبدا على اصطحاب عائلته لمشاهدة المباريات، لأنها تتحول، في كثير من الأحيان، إلى حفل لشواء الكلمات على نار بذيئة.

صرنا أنيقين في الأعراس فقط، أو الجنائز، وذهبت أيام "الميني جوب" الجميلة والمرفوقة بوقار عجيب، وحلت محلها الأقمشة السوداء المرعبة القادمة من الشرق مثل غربان الليل.

حتى المسجد صار الناس يمارسون فيه تقشفا غير معهود، وكثيرون لا يغيرون حتى جواربهم لأداء الصلاة، لذلك تمتلئ مساجدنا بكل تلك الروائح الغريبة، التي تمزج بين العطور والبخور وروائح الجوارب العطنة.

بالتأكيد لم نعد أنيقين كأجدادنا الذين كانوا يعانون، بالتأكيد، أكثر منا، مع أننا نضحك عليهم في صورهم بالأبيض والأسود.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة + أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى